جاك الموت يا مصدق الوسواس الخناس
من المعروف طبيا أن كثيراً من الأعراض المرضية للقب يعود لأسباب نفسية، وهناك ارتباط قوي بين القلب والحياة العاطفية .. فالقلب يتحمل الانفعالات التي تؤثر في الإنسان .. لذلك يحتل القلب حيزا كبيرا من اهتمامات وتفكير الناس بما يجعل الذهن يتجه نحو (القلب) في كثير من حالات الخوف والقلق ..
ولهذا السبب فإن استجابة القلب للانفعالات النفسية تكون خفقانا وشعورا بالاختناق والذعر من توقف القلب، ويصبح (جاني الذيب) ويركض للطبيب .. وعنده حق ومعذور .. وبعد الفحص تتم معرفة الوضع، فإما أن يقول له الطبيب (الذيب في القليب) وتحتاج إلى علاج .. أو يقول له الطبيب (احمد ربك ما فيك إلا العافية) ولا بد من توفير أعصابك واهرب من تبديدها في التعصب (وخصوصا التعصيب السياسي أو الكروي أو في سوق المال.
أسوق هذه المقدمة عن صديق أحس قبل 40 عاما باضطراب في نبضات قلبه .. ولم يصدق طبيبه الذي شخص حالته على أنها اضطراب انفعالي، ولم يعترف بأن أكثر من 40 في المائة من مراجعي أطباء القلب الذين يشتكون ألما في الصدر أو تسارع دقات القلب تكون أسباب شكواهم (حالات نفسية).
وذهب صديقي إلى طبيب آخر وأعطاه مهدئات – كالأندرال – الذي يجعل الأدريانيل يخفف من شدة التأثير على القلب، ولكن صديقي لم يقتنع وذهب لعدة أطباء في دول مختلفة.. بل وذهب إلى الدجالين والمشعوذين! وأصبح كأنه الذي وصفه الشاعر إبراهيم طوقان حين قال:
لكن "توهمت" السقام
فأسقم الوهم البــدن
وظننت أنك قد وهنت
فدب في العظم الوهن
وأخيرا .. انطبق عليه المثل القائل ( لا يقنع الخـ .. حتى يرى) عندما شاهد (شهادة وفاة لزميل له) مكتوب فيها أن (أسباب الوفاة هي.. كثرة الأطباء) حينذاك تخلص من الوهم الكبير، واستعاذ برب الناس من شر الوسواس الخناس، واعتبر أن حالته طبيعية وعادية ورمى بجميع ما جمعه من أدوية في سلة المهملات .. ولم يعد يفكر في الموت أو الحياة .. والحمد لله على العافية. ولسان حاله يقول:
وما شاء رب العرش جل جلاله
يدق ويخفى عن خفي "التوهم"
وتذكر قول زهير بن أبي سلمى الذي لم يعرف "اليقين" إلا بعد عشرين عاما من توهمه عندما قال:
وقفت بها من بعد عشرين حجة
فلأيا عرفت "الدار" بعد توهم