المحللون والأسهم.. شد لي واقطع لك
تجد كتابات المحللين الماليين إقبالا منقطع النظير من قبل القراء المهتمين بسوق الأسهم وعادة ما تدبج بالمديح وتنقل إلى منتديات الأسهم ليحتفوا بها هناك ولكن ذلك مشروط بأن تلتقي مضامينها مع آمالهم وتطلعاتهم المتعشمة للربح الكارهة للخسارة، أما إذا كانت تنطوي على تحذير وتنبيه أو نحت منحا مهنيا صرفا فيحصل العكس تماما، فقد كان المستثمرون خصوصا قبل انهيار السوق يهللون لكل من يكتب مادحا قوة السوق قارئا فنجانه متوقعا وصوله إلى أرقام فلكية، على الرغم من أن العقل والمنطق يقول عكس ذلك.
من هنا أصبح كل من يكتب عن سوق الأسهم في نظر شريحة عريضة من المتعاملين أحد اثنين إما مطبل محبوب تنبعث من كلماته أمانيهم الوردية أو مرجف حسود لا يحب الخير للناس.
هذه الثنائية الحادة والمزاجية الغريبة إذا أخذت كظاهرة عامة سنجد أنها تراث موروث لا يقتصر على هذه الحقبة من الزمن فقط بل وجدت منذ سنوات الفتنة واستمرت حتى اليوم وميزت العرب أينما وجدوا ولكنها أكثر وضوحا وحدة في الكتابات الفكرية والسياسية، وهي على كل حال أمر سلبي لأن فيها تغييبا للعقل وتغليبا للعاطفة، في حين كان ينبغي أن تقرأ بعين المحايد، لذا يبدو لي أن إشكالية الوعي عند عامة الناس تكاد تكون أهم مشكلة تهدد المجتمعات النامية فهي سبب تردي أحوالهم الاقتصادية والسياسية كما أنها سبب رئيس لكل أنواع المشكلات والحروب فيها.
أعود لموضوع الأسهم لأقول إنني كتبت نحو 15 مقالا أحذر فيها من خطورة السوق وتوظيف جميع المدخرات فيها إلا أنها لم تجد آذانا صاغية بل واجهت نقدا حادا من قبل الكثير من القراء أو عدم مبالاة ولا سيما من كتاب المنتديات ووصف كاتبها بأقذع الأوصاف في حين أنهم كانوا يحتفلون بكتابات آخرين يقولون إن المؤشر ذاهب إلى 25 ألف نقطة وإلى 88 ألف نقطة، في أمر غريب لا يمكن تفسيره إذا أرجعناه للعقل والمنطق.
بعض الإخوة المحللين يتجنبون إغضاب المستثمرين الصغار فلا يأتون على ذكر مخاطر السوق في سياق كتاباتهم، وهذا أمر لا يجوز ويترتب عليه مخاطر قد تصيب المستثمرين في مقتل كما حدث، في حين أن البعض منهم انغمس في أدوات التحليل الفني رغم أنها لا تنطبق على سوقنا المالية لأسباب كثيرة ليس هذا مجال شرحها وتنطوي هي الأخرى على مخاطر إذا ما صدقها المتعاملون وبنيت قراراتهم عليها.
ولم يقتصر سلوك القراء المتمثل في نظرية الفرز العاطفي على الكتاب فقط بل وصل إلى المذيعين والمذيعات في القنوات الفضائية الذين طالهم نصيب من الكلام، وتم التركيز على تفاصيل غريبة مثل لون ملابسهم إن كانت خضراء أم حمراء وغير ذلك.
في رأيي أن الكتابة المتخصصة ولاسيما ما يتعلق منها بسوق الأسهم والتي يترتب عليها قرارات شريحة كبيرة من المستثمرين ترتبط أكثر من غيرها بجانب أخلاقي لا يجوز التساهل فيه، كما أنها من أخطر أنواع الكتابة، وتتطلب توافر شروط مهمة مثل انتفاء المصلحة المباشرة وغير المباشرة والتأهيل والخبرة والأمانة والصدق.
لا ينبغي أن تتصف هذه الكتابات والتحليلات بالسطحية كما لا ينبغي أن تساير المزاج العام للمتعاملين لكسب ودهم واجترار مديحهم بل ينبغي أن تكون متعمقة مصحوبة بالأدلة والشواهد، لأن هذا أحرى لتوفير عناصر الأمانة والمهنية فبعض ما يكتب اليوم أقرب إلى أحاديث المجالس التي تعطي رأيا قطعيا دون دليل أو شاهد.
كل مستثمر في السوق له رأي فيه، لذا لا ينبغي لكل من امتلك أدوات الكتابة أن يكون كاتبا يؤخذ بقوله، فالكتابة في هذا الشأن لها شروط من ضمنها: التأهيل، الخبرة، الأمانة، الاستقلال، الحياد، والموضوعية. هذا هو رأيي على الأقل.