هل تستطيع صناديق الأسهم استرداد ثقة المتعاملين ؟

[email protected]

في كل يوم تقريبا، يسألني صديق أو زميل أو قريب عن رأيي في السوق، وغالبا ما يكون السؤال من قبيل "في أي شركة يجب أن أشتري؟" وغالباً ما يتبعها سؤال آخر من قبيل" ما السعر المناسب للشراء؟ "ثم سؤال أخير مثل "ومتى أبيع؟"، وهذه الأسئلة تبدأ ولا تنتهي، وكم أرغب أن أجيب على كل سؤال، وأن تكون إجابتي واضحة أو محددة، وفي الوقت نفسه أن تكون إجاباتي إيجابية، ولكن هل تتصورون إمكانية ذلك في مثل سوقنا أو حتى في الأسواق الأخرى في المنطقة؟

هل يستطيع أي منكم أن يجيب على أي من هذه الأسئلة، وأن تكون إجابته واضحة ومفيدة ويستطيع المستثمر أن يتخذ بناء عليها قراراً صحيحاً؟ لا أعتقد وإذا كان هناك من يستطيع أن ينبري لذلك، ويتحمل مسؤولية هذه الاستشارة فليظهر للعيان.

هل يستمع المستثمر إلى نصائح الخبراء التي تؤكد الاستثمار الآمن في الشركات القوية والأسهم القيادية؟ أم يستثمر في شركات الخشاش والمضاربة التي تحقق أرباحا قياسية يدفعه إلى ذلك رغبة جامحة في تغطية خسائره السابقة؟ أم يلاحق توصيات الإنترنت المغرية ورسائل الجوال المحفزة؟ هل يستمع إلى العقل أم يتبع العاطفة؟ هل يتحفظ أم يغامر؟ ألف سؤال وسؤال تطارد المستثمرين، أما عن إجابتها فهي متعددة بعدد الأسئلة!!

ولا أرى أفضل من التمثيل بالفتوى الشرعية مع الفارق الكبير بين الثرى والثريا كما هو الفارق بين الدين والدنيا، ولكن عندما يطلب أحدنا الفتوى الشرعية، وهو لا يعرف الإجابة، فإن الحل واحد من اثنين، إما سيقرأ ويطلع ويستنتج ويستنبط حتى يمكنه الحصول على إجابة على سؤاله وهذه الطريقة عادة ما تكون الطريق المناسبة لطلاب العلم ومن على شاكلتهم، أما عامة الناس فيجب عليهم سؤال أهل العلم ممن يوثق بعلمهم وأمانتهم، وهذا المنهج هو الطريقة الأمثل لإبراء الذمة أمام الله تعالى.

وعلى النهج نفسه يجب أن يسير المتعاملون في السوق، فالمستثمرون هم أصحاب العلم والخبرة في مجال الاستثمار المالي، ولهم طرقهم وأدواتهم في التحليل الأساسي للقوائم المالية للشركات والتحليل الفني لأسعار الأسهم. وفي الجانب الآخر فإن المتعاملين في السوق من غير أهل العلم والخبرة هم كالعامة في مجال الاستثمار المالي يجب عليهم سؤال أهل العلم من الخبراء في مجال الاستثمار المالي، والمتمرسين في مجال الأوراق المالية.
الإشكالية هنا تكمن في صعوبة وجود المستشارين الذين يمكن أن يقدموا المشورة المجانية والسريعة والمباشرة للمتعاملين في السوق، لكن الشيء الأكيد أن هؤلاء المستثمرين يستطيعون أن يفوضوا غيرهم للقيام بذلك، أقصد الاستثمار في السوق المالية، ومن هنا كانت الصناديق الاستثمارية هي أفضل بديل للمتعاملين خاصة الصغار منهم وقليلي الخبرة.
وقد نصح الخبراء والناصحين المتعاملين وحتى هيئة السوق لم تأل جهداً في نصح المتعاملين بالتعامل مع الصناديق كحل بديل لهم بدلا من قيامهم بالمضاربة والتعامل مع السوق مباشرة، ولكن الذي حدث للأسف أن الصناديق الاستثمارية لم تكن أحسن حالاً من المساهمين عامة في التعامل مع السوق حيث أإها تعرف جيدا - وهي صاحبة الخبرة ويديرها فطاحل الخبراء في الأسواق العالمية والمحلية- أن الأسعار المتداولة لجميع الشركانت كانت أسعاراً مبالغاً فيها، ومع ذلك كانت وما زالت تعبث بأموال الناس بعيداً عن الرقابة الحقيقية من مؤسسة النقد وهيئة السوق، فهيئة السوق كانت ولا تزال تعتمد على مؤسسة النقد في الرقابة على هذه الصناديق في حين أن مؤسسة النقد كانت وما زالت تهمها أموال البنوك ومصالحها وحفظها من أي مخاطرة يمكن أن تتعرض لها. أما المساهمون والمشاركون في الصناديق فليغرقوا في الطوفان فكانت النتيجة خسارة المستثمرين "العقلاء" لأكثر من 50 في المائة من ثرواتهم في هذه الصناديق. وكانت البنوك تغني على ليلاها طوال طفرة السوق السابقة والتي حققت فيها البنوك أرباحاً قياسية لم تحققها في تاريخها، كان لدخلها من سوق الأسهم نصيب مؤثر حيث كانت البنوك تقوم بالعمليات التالية المتعارضة المصالح:
* عمليات التداول والبيع والشراء لصالح الغير وتقاضي عمولاتها عن ذلك.
* تمويل عمليات المتاجرة بالأسهم لصالح المتعاملين بضمان محافظهم الاستثمارية.
* إدارة صناديق الاستثمار للأسهم وتقاضي أتعابها عن إدارة هذه الصناديق.
وللأسف فإن دور البنوك في إدارتها لصناديق الأسهم كان لجميع هذه العمليات في آن واحد، فكلما زاد عدد المشاركين في الصناديق زادت متحصلاتها من أتعاب الإدارة، وكلما زادت أرصدة هذه الصناديق زادت عمليات البيع والشراء التي تتم لصالح البنك وهي عمليات يدفع الصندوق قيمتها، وزيادة في الطين بلة كان البنك يشجع عمليات التمويل الجائرة بضمان المحافظ التي لدى البنك والتي تبين مدى ضررها وخطورتها عند نكسة السوق وتمام تصفيتها.
أعتقد أن صغار المتعاملين في السوق وقليلي الخبرة مازالوا مطالبين بالاستثمار في السوق عن طريق الصناديق الاستثمارية، ولكن ليس بالطريقة التي يتم العمل بها حاليا، وخاصة أن شركات إدارة الأصول التي رخص لها أخيرا ستدخل على الخط عن طريق صناديق الاستثمار التي ستديرها بعيداً عن البنوك. ويجب على هذه الصناديق أن تقوم بواجبها في الاستثمار والحرص على أموال المستثمرين، وفي المقابل يجب على الهيئة أن تقوم بضمان عمل هذه الصناديق لصالح المتعاملين والمشاركين فيها بكل شفافية ووضوح في المغنم والمغرم. ومن أهم أدوات الهيئة في هذا المجال ضمان كفاءة إدارة هذه الصناديق، وتوزيع المخاطرة في هذه الصناديق ووجود استراتيجية استثمارية واضحة لهذه الصناديق، وتزويد المتعاملين بمعلومات دقيقة عن التوقعات للسوق، والأهم من ذلك أن تتقاضى هذه الصناديق أتعابها مقابل تحقيق الأرباح وليس كرسوم كما هو مطبق حالياً، ويحاط بذلك كله إطار متين من الشفافية والوضوح في المعلومات والسياسات والتعامل مع المشاركين.
والأهم من ذلك أن تكون هذه الصناديق تحت رقابة وإشراف هيئة سوق المال وليس مؤسسة النقد، ليس طعناً في الأمانة، ولكن وقاية من أضرار العطف الأبوي الضار بالصناديق والمشاركين والمجتمع، فكفانا مصابنا ومصاب المساهمين في هذه الصناديق فقد كانت الإصابة في مقتل!!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي