مصرف الإنماء ومستشاره المالي
كان من بين الأخبار المالية اللافتة للانتباه في ختام العام المنصرم (2006م) ما أعلنه مصرف الإنماء عن إبرام اتفاقية مع مجموعة سامبا المالية تتولى بموجبها مهام المستشار المالي وإدارة الاكتتاب لطرح 70 في المائة من رأسمال المصرف الجديد. وقد جاء ذلك الإعلان بعد مرور عشرة أشهر على صدور أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز, بتأسيس مصرف الإنماء شركة مساهمة لمزاولة الأعمال المصرفية والاستثمارية برأسمال قدره 15 مليار ريال، وتعد خطوة اختيار المستشار المالي إحدى الخطوات الرئيسية في سبيل الانتقال بالمصرف من مرحلة التأسيس إلى مرحلة التشغيل.
إن الحديث عن مصرف الإنماء لم ينقطع منذ أن صدر الأمر السامي بتأسيسه في 27/2/2006، ولا سيما الحديث عن التطلعات التي يصبو إليها المواطنون وكذا التحديات التي ستواجه المصرف. بالطبع هناك أسباب جيدة تدعو إلى التطلعات المتفائلة لعل أهمها ضخامة النسبة التي ستخصص من رأسماله للاكتتاب العام ما يعني حصول كل مكتب على 100 ـ 200 سهم تقريبا، وربما أكثر من ذلك، وهي في كل الأحوال أضعاف ما ألفته السوق في الاكتتابات الأخيرة، ما يجعل المشاركة في اكتتاب المصرف عملية مجدية مقارنة بتلك السابقة تبرر ما قد يكون هنالك من جهد أو عناء ولا سيما لذوي الدخول المحدودة.
لكن في مقابل عناصر الجذب تلك التي تصب في صالح الاكتتاب في أسهم المصرف، يجب أن نضع في الكفة الأخرى للميزان المؤشرات الراهنة للسوق والعروض المتوافرة فيها. إذ باتت هناك خيارات واسعة أمام كل مواطن لشراء ما يشاء من عدد أسهم في شركات قيادية ذات عوائد جيدة بأسعار مغرية لا تزيد على أربعة أضعاف قيمتها الدفترية، من بين تلك الخيارات أسهم مصارف وشركات تتمتع باحتياطيات ضخمة ورؤوس أموال كبيرة تقارن في حجمها بمصرف الإنماء. ليس هذا فحسب، بل إن العديد من تلك الخيارات المتاحة يحظى بدعم، عبر مشاركة مؤثرة، من صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الأجيال)، والأهم من ذلك أن معظم تلك المصارف والشركات اكتسبت سنوات طويلة من الخبرة في مجال نشاطها ما مكنها من ترسيخ أقدامها والاستحواذ على حصص تكفل لها إيرادات مستقرة وهي ميزة يفتقدها، بطبيعة الحال، اللاعب الجديد.
لذا قد يكون من الحكمة التعامل بحذر مع ما يطرح من أرقام للمكاسب الرأسمالية التي تنتظر المكتتبين في مصرف الإنماء لئلا يصابوا بشيء من الهلع إن جاءت أقل من المستويات التي وعدهم البعض عندما ذهبوا إلى التنبؤ بمستوى 20 ضعفا لسعر السهم عقب الانتهاء من الاكتتاب! وهي نبوءة ينبغي ألا نأسف عليها إن لم تتحقق. إذ إن خفض سقف التوقعات بالنسبة للمكاسب الرأسمالية الآنية لمكتتبي المصرف الجديد سيصرف نسبة كبيرة من المضاربين عن المشاركة تاركين وراءهم حيزا أوسع للمستثمرين، وهو احتمال ليس مستبعدا بعدما شاهدناه في بعض الاكتتابات الأخيرة.
إن تضييق دائرة المضاربين في الاكتتابات الأولية ومن ثم السوق في مجملها يعد نعمة مستترة لكل من السوق والمنشأة المستهدفة بالاكتتاب كالمصرف الجديد، إلا أن تلك النعمة كغيرها لا تأتي دون ثمن إذ تترتب عليها استحقاقات لا بد من الوفاء بها إن كان للنعمة أن تدوم. ولعل في مقدمة تلك الاستحقاقات القدرة على تحقيق عوائد سنوية مجزية للمساهمين من خلال تقديم خدمات راقية تعلو على ما يقدمه المنافسون الآخرون، وهو تميز لن يتأتى بإدارة تقليدية متواضعة الخبرات ما يجعل من فضول القول تأكيد أهمية أن تكون انطلاقة عمل المصرف وبرامجه مؤسسة بشكل متين قبل الشروع في طرح أسهمه للاكتتاب العام.
وفي هذا السياق قد ترى وزارة المالية التريث في طرح أسهم مصرف الإنماء للاكتتاب العام لحين اختيار شريك استراتيجي أجنبي، إن لم يكن قد حصل ذلك فعلا، سواء بعقد إدارة طويل المدى أو بإدخاله ضمن المؤسسين، والإعلان عن ذلك قبل الاكتتاب بوقت كاف لمنح المستثمرين فترة أطول من الأسبوعين وما شابه التي تحددها عادة نشرة الاكتتاب لتقويم خياراتهم.
إن وجود شريك استراتيجي أجنبي ضمن تركيبة مؤسسي المصرف الجديد له مزايا أخرى بجانب نقل التقنية وبناء الثقة لدى المستثمرين والعملاء في المستقبل. إذ إن المصرف الجديد سيجد نفسه في منافسة حادة وربما شرسة مع مصارف وطنية وأجنبية يرتكز نجاحها على ترشيد النفقات واستخدام الموارد وفق معايير تعتمد على مبدأ الربح والخسارة قد لا يستطيع المؤسسون الحاليون من القطاع العام توفيرها بالدرجة نفسها من الكفاية كالشريك الاستراتيجي الأجنبي.
لكن مهما كان الأسلوب الذي سيتم اختياره لإدارة مصرف الإنماء، فإن هناك تحفظات يطرحها البعض على الاتفاق الذي أبرمه المصرف مع مجموعة سامبا المالية المشار إليه في مطلع هذا المقال. إذ يرى ذلك البعض أن إسناد مهام المستشار المالي وإدارة الاكتتاب إلى مجموعة سامبا قد ينطوي على تضارب بين مصالح مصرف قائم وآخر جديد يفترض فيه أن يكون منافسا له. فهناك الخطة الخمسية للمصرف الجديد، استراتيجية عمله، وسلم رواتب منسوبيه وغيرها من التفاصيل الدقيقة التي سيطلع عليها المستشار المالي بالضرورة لإعداد نشرة الاكتتاب ما يضع تحت تصرفه معلومات تمنحه ميزة غير متكافئة ليست في مواجهة المصرف الجديد فحسب، بل في مواجهة المصارف الأخرى القائمة والقادمة، ثم هناك تحفظ آخر يطرحه ذلك البعض على مهنية النتائج المنتظرة من الاتفاق المبرم بين "الإنماء" و"سامبا" تثيره الملكية المشتركة والمؤثرة في كل منهما لصندوق الاستثمارات العامة، المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، والمؤسسة العامة لمعاشات التقاعد، والتي تبلغ نسبة 30 في المائة في المصرف الأول، ونسبة 44 في المائة في المصرف الثاني، وما قد تفضي إليه تلك الحصص الكبيرة في الملكية من التأثير في استقلالية قرار المستشار المالي مدير الاكتتاب.
إنني على يقين أن تلك التحفظات وغيرها لم تغب عن فطنة اللجنة التأسيسية لمصرف الإنماء، كما أن هناك تحوطات قانونية وتعاقدية لا أخال إلا أنها أدرجت في الاتفاق حماية لمصالح جميع الأطراف، إلا أنه لا بد من التسليم بأن مساحة للاجتهاد والتفسير تبقى دائما متاحة بدرجة تسمح باختراق تلك التحوطات وتطويعها، ومن ثم قد ترى وزارة المالية أن الفرصة ما زالت قائمة للنظر في البدائل المتوافرة في السوق لإدارة اكتتاب المصرف الجديد من بين شركات الوساطة والاستشارات المالية غير المرتبطة (إدارة أو ملكية) بالمصارف العاملة حاليا درءا لأية شبهة، مهما كانت ضعيفة، قد تثار هنا أو هناك حول العلاقة بين المصرف الجديد ومدير الاكتتاب. وقد جاء في الحديث الشريف الصحيح "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".