السياسة الأمريكية ومستقبل الاقتصاد الخليجي

[email protected]

بعد أن قدم الرئيس العراقي السابق "قربانا" في يوم النحر عيد المسلمين كافة، وبعد أن دفن صدام حسين ودفن معه كل أسرار حقبته التي حكم بها، وكما ذكرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية أن الساسة الأمريكيين تخلصوا من ورقة مهمة تملك من الأسرار الأمريكية خلال فترة حكمه قد دفنت وطويت معه، بعد أن دعمت حربه ضد المد الشيوعي، ودعمت صدام في حربه ضد إيران، وفي النهاية تخلت عن كل ذلك وفق سياستها التي تهدف لتحقيقها، وأخيرا علقت صدام على حبل المشنقة. نعومي تشومسكي مفكر يهودي أمريكي يعارض السياسية الأمريكية يقول في إحدى مقابلاته في عام 2003م إن الولايات المتحدة هي الدولة الإرهابية الأولى في العالم وقد أدينت من محكمة العدل الدولة منذ سياسة الرئيس السابق ريغان وحتى اليوم. يقول المفكر الأمريكي في حوار طويل إن الولايات المتحدة احتلت العراق بهدف اقتصادي وهو النفط وترى العراق دولة مركزية كموقع ونموذج سهل النفاذ إليه بسبب تعدد الأعراق والخلافات السياسية وبيئة خصبة، لقد عمل الإعلام الأمريكي على تصوير العراق في فترة حكم صدام على أنه سيبتلع الولايات المتحدة غدا، وتمت تهيئة الشعب الأمريكي "الجاهل جغرافيا وسياسيا" على هذا الخيال وحدث ما حدث حتى أزيح العراق، هذا ما يذكره المفكر الأمريكي وهي خطورة توجيه الشعب الأمريكي من خلال الإعلام من خلال التعبئة والتهيئة للقرارات المستقبلية من حروب أو غيرها، وهذا يعني لنا في المستقبل سهولة هذا التوجه خاصة أنها دولة ديمقراطية تبحث عن التأييد الشعبي في كل خطوة، كذلك أعلن نائب الرئيس الأمريكي في تقرير نشر عام 2001م أن إفريقيا ستكون الهدف القادم وتعتبر أحد أهم المصادر المتنامية نفطيا في المستقبل، وهذا يفسر لنا الوجود المستمر في القرن الإفريقي وهذه قصة أخرى، كذلك نشر في خريف 2003م حوار مع المحلل الأمني الأمريكي (مايكل كلير) مؤلف كتاب "حروب مصادر الثروة" حذر فيه من التورط الأمريكي في إفريقيا بعد أن تحقق الهدف من العراق.
التقارير كثيرة والاستشهادات من الجانب الأمريكي لا حدود لها، وهي سياسة اللعب على المكشوف، الولايات المتحدة الآن في العراق، وتمارس سياسية مزدوجة مع إيران، وسيطرة في أفغانستان بعد إزالة طالبان، وتدير ملف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتدعم حكومة السنيورة في لبنان، وتضغط على سورية، وتدعم حكومة الصومال ضد المحاكم الإسلامية، وتوجد البوارج الأمريكية في الخليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر، ومضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس، وقواعد في قطر والعراق على مرمى حجر، من كل هذا الجو العام للمنطقة المتوتر سياسيا لأقصى درجاته خاصة في العراق، والمستقبل ماذا سيحمل لسورية ولبنان والقرن الإفريقي، أين موقع دول الخليج من كل ذلك؟ فهي لا تدخل اللعبة السياسية، فأصبحت دول الخليج تنتظر ما سيحدث لا ما يجب أن نعمل، لأن ما يحاك في المستقبل سواء من الخطر الأمريكي نفسه أو إيران أو اشتداد نار الطائفية لا يحمل التفاؤل، وأن نكون بمعزل عما يحدث، لقد تم استنزاف و" شفط " أموال دول الخليج بحرب الكويت، وتم تمويل الحرب من أموال خليجية، لم يكن هناك مستفيد إلا الأمريكيون والبريطانيون، مئات المليارات ذهبت هناك لمصانع الآلة الحربية التي لم تقدم لنا شيئا في حرب الخليج، وأصبحت الدول الخليجية كلها مدينة لعقد من الزمان، والآن تعود الثروة من جديد، ولكن هل نحن آمنون بأنها ستبقى لنا ولشعوب المنطقة، أم سيأتي الأمريكي ويطرق بابنا ويقول الخطر الإيراني من هنا والخطر السوري من هناك؟ والإرهاب من هناك. نحن مستهدفون لا آتي بجديد هنا، ولكن ما أود قوله إننا نحتاج أن نكون في اللعبة السياسية من خلال أموالنا، من خلال توظيف هذه الأموال بألا تكون مسيلة للعاب الأمريكي، بأن تستثمر في بناء الإنسان الخليجي، وبناء وطنه وقوته لمواجهة التحديات المستقبلية.
للحقيقة لست متفائلا من المستقبل ما ظلت أمريكا هنا، وما ظلت هذه السياسة "المطاطية" هنا تطالب بديمقراطيات كما تقول في العراق، وترفض فوز حماس بانتخابات حرة أيا كانت سياستها، أليست خيار الشعب؟! يجب أن نبني سياستنا كدول خليجية على أن الولايات المتحدة تاريخيا تتخلى عمن تدعمهم، من شاه إيران لحرب فيتنام، ودعم المعارضة ضد الشيوعيين، من العراق وصدام حسين، فهي تبحث عن تحقيق أهداف ومصالح استراتيجية للولايات المتحدة لا غيرها، الولايات المتحدة ليست دولة مستعمرة وإن حاولت الآن، عكس البريطانيين الاستعماريين الأكثر خبرة، ونلاحظ أن البصرة العراقية التي يسيطر عليها البريطانيون أكثر هدوءا واستقرارا من المنطقة الخضراء الأمريكية. أقدر أن هناك ما يمكن عمله وهناك ما لا يمكن عمله، لكن متى وصلنا لتحقيق بناء المواطن والوطن على حد سواء ووحدة وطنية لدول المنطقة التي طال انتظارها أكثر من 25 سنة لم يتحقق حتى سفر ببطاقة، فكيف أتحدث عن وحدة شاملة مطلوبة على الأقل للظرف السياسي. يجب أن تستغل دول المنطقة قوتها المالية الآن بأقصى درجاتها وأن تستثمر وفق أعلى مستويات توسيع النفوذ والقوة لدول المنطقة، حتى لا نكون دولا خليجية ينظر إلينا كمحطات وقود للولايات المتحدة الأمريكية كما ذكر أحد وزرائهم.
عن سنن سقوط الحضارات يقول ابن خلدون إن الظلم مؤذن بخراب العمران، واستحكام الظلم مؤذن بتبديد مقاصد الإنسان الضرورية من حفظ الدين والنفس والعقل، والنسل والمال. ولابن خلدون السبق والفضل في اكتشاف السنن والقوانين التي تحكم الظواهر الاجتماعية والحضارية. ويرى ابن خلدون أن الحضارة ثلاث مراحل آخرها مرحلة الحضر التي تكون السيادة فيها للشهوات والإسراف في الترف. ويقول مالك بن نبي إن الاستعمار أحد العوامل الخارجية التي تدفع الشعوب إلى النهوض، ويرى أن الحضارة أيضا تمر بثلاث مراحل كما هي رؤية ابن خلدون، ويرى أن المرحلة الأولى هي مرحلة الروح، ثم مرحلة العقل، وأخيرا ثم مرحلة الغريزة وهي المرحلة التي تطلق فيها الشهوات والنـزوات من عقالها، فيطغى عالم الأشياء في المجتمع، ويضمحل "عالم الأفكار". هنا أضع الولايات المتحدة في هذا المسار وهي المرحلة الثالثة من مبدأ أن التاريخ يعيد نفسه لكل حضارة، ولكن هل سيكون بعد سنة أو عشر أو أكثر ليس مهما كثيرا بقدر أن المرحلة للعصر الأمريكي هي بداية النهاية بأي صيغة كانت ومن الداخل، لأن الفلسفة الحضرية لكل جغرافيا العالم ألا يمكن أن تنتزع شعوبا من أرضها وترابها إلا بنهاية الكون على مر العصور، فهل تعي الولايات المتحدة هذا التأكيد التاريخي؟! فتاريخيا هل وجدنا شعوبا تمت إزالتها من أراضيها بصورة نهائية، أمريكا تحاول تطبيق ذلك في فلسطين والعراق وكل مكان، لكن مشكلة الأمريكيين لا يقرأون التاريخ خاصة الإسلامي، فهي شعوب تملك عقيدة ودينا وإيمانا وترابا وهي أساس بقاء وليست أساس إبادة، كما يراه صُناع السياسية في الولايات المتحدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي