قراءة مختزلة في كتاب "مفهوم العولمة بلغة العولمة"
كشف كتاب بعنوان "مفهوم العولمة بلغة العولمة" للمؤلف الدكتور فواز بن العبد الستار العلمي مستشار وزير التجارة والصناعة، ورئيس الفريق الفني السعودي للمفاوضات، النقاب عن الجهود السعودية الطويلة المرتبطة بانضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية WTO، التي بدأت مسيرتها منذ أن قدمت المملكة طلب انضمامها إلى المنظمة المذكورة يوم 13 آذار (مارس) 1995، إلى أن تم اعتماد وثائق انضمام عضويتها في يوم الجمعة 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005.
وأوضح الكتاب، أنه خلال مسيرة عشر سنوات من الانضمام، أصدر مجلس الوزراء السعودي 28 قراراً، توجت جمعيها بالأوامر السامية القاضية بالموافقة على 274 موقفاً تفاوضياً، منحت المفاوض السعودي الحدود التفاوضية المرسومة اللازمة لتوفير الالتزامات والحصول على الاستثناءات من أجل نيل استحقاقات العضوية، بأفضل الشروط وأقل التكاليف، كما قد عقدت اللجنة الوزارية المشرفة على الانضمام 23 اجتماعاً، بهدف وضع أهداف واستراتيجيات التفاوض والتأكد من نتائج دراسات المكاسب والتكاليف.
خلال مسيرة الانضمام إلى المنظمة، أكد الكتاب، عقد فريق التفاوض السعودي 117 اجتماعاً برئاسة وزير التجارة والصناعة، وأعد فريق العمل 65 وثيقة رسمية، تختص بجداول العروض التفاوضية في قطاعي السلع والخدمات، مع إجراء تقييم شامل ودقيق لدراسات الجدوى الاقتصادية واستراتيجيات وأساليب التفاوض، وقام الفريق الفني للمفاوضات، بدراسة طلبات الدول الأعضاء في المنظمة والإجابة عن أكثر من 3400 سؤال، وكذلك إعداد وتقديم أكثر من سبعة آلاف صفحة من الوثائق والمعلومات الخاصة، بمختلف السياسات التجارية والاقتصادية والمالية والاستثمارية والجمركية والخدمية والقضائية والصحية والبيئية. كما قام الفريق التفاوضي بزيارة 62 عاصمة من عواصم الدول الأعضاء في مختلف أنحاء العالم، وخاض 365 جولة من المفاوضات الثنائية و47 جولة من المفاوضات عديدة الأطراف، التي أثمرت جميعها بنجاح من خلال توقيع الاتفاقات الثنائية مع (38) دولة عضو في المنظمة، ليتم دمج هذه الاتفاقات لاحقاً في جداول موحدة خاصة بالنفاذ إلى الأسواق في قطاعي السلع والخدمات، التي وصل عدد صفحاتها إلى 512 صفحة، احتوت على 7559 سلعة صناعية وزراعية و15 قطاعاً خدمياً و155 نشاطاً فرعياً.
وشارك فريق التفاوض السعودي والفرق الفنية المتخصصة في 14 جولة من المفاوضات متعددة الأطراف حضرتها 52 دولة عضوا في المنظمة، انتهت بإصدار تقرير ملخص لوقائع جولات فريق العمل المعني بانضمام المملكة إلى المنظمة والمكون من 316 فقرة منها 58 فقرة التزام و59 فقرة استثناء و12 مرفقا.
وقد أوضح الكتاب المذكور، أن انضمام المملكة العربية السعودية، إلى منظمة التجارة العالمية، استلزم إصدار المملكة 42 نظاماً جديدا، بما في ذلك اللوائح التنفيذية الخاصة بتلك الأنظمة، منها 19 نظاماً جاء مرتبطاً، ارتباطاً مباشراً باتفاقيات المنظمة الأساسية الخاصة بالعوائق الفنية أمام التجارة والتدابير الصحية والصحة النباتية، وحماية حقوق الملكية الفكرية، وتراخيص الاستيراد والتثمين الجمركي، كما قامت هيئة الخبراء في مجلس الوزراء بترجمة هذه الأنظمة واللوائح التنفيذية إلى اللغة الإنجليزية، لتسليمها إلى الدول الأعضاء في المنظمة، وقدمت وزارة التجارة والصناعة 312 محاضرة توعوية عن منظمة التجارة العالمية ومسيرة المفاوضات لمختلف القطاعات الحكومية والخاصة داخل المملكة وخارجها.
الفصل الرابع من الكتاب بعنوان "مسيرة المفاوضات ومتطلبات الانضمام واستحقاقات العضوية"، أوضح أنه نتيجة الخطوات المتسارعة التي خطتها منظمة التجارة العالمية، منذ ولادتها في الأول من كانون الثاني (يناير) 1995، ارتفع عدد الدول الأعضاء في المنظمة إلى 150 دولة، في نهاية آب (أغسطس) 2006، ، لتشكل بذلك نحو 79 في المائة من مجموع دول العالم، التي تسيطر على 90 في المائة من تجارة القرية الكونية في قطاعات السلع والخدمات، و93 في المائة من التعاملات المالية، و94 في المائة من خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات، و97 في المائة من حقوق الملكية الفكرية، و90 في المائة من خطوط النقل البري والبحري والجوي، و88 في المائة من مشتريات العالم من الطاقة والألمنيوم والحديد والبتروكيماويات، وبالتالي أصبحت متطلبات الانضمام إلى هذه المنظمة، أكثر تعقيداً واستحقاقات العضوية في محفلها أكثر تشدداً، ولا غرابة بالتالي في أن تستغرق مفاوضات الانضمام إلى المنظمة سنوات عديدة وطويلة، مثل الصين، التي استغرقت مسيرة انضمامها 15 سنة، والمملكة العربية السعوية، استغرقت مسيرة انضمامها عشر سنوات.
الفصل الثامن من الكتاب، أوضح العديد من المزايا النسبية، التي تتمتع بها السعودية، التي عملت جميعها في صالح انضمامها إلى المنظمة، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، أنها مهبط الوحي وقبلة 25 في المائة من سكان العالم، وبالتالي فهي مؤهلة لأن تتبوأ المركز المناسب لقيام السوق الإسلامية المشتركة، وإنشاء المصارف الإسلامية والبنوك التمويلية وتطوير آليات الأسواق المالية، كما أن المملكة تمتلك نحو 27 في المائة من المخزون النفطي العالمي، وتحتل المركز الأول في إنتاج النفط وتصدير الطاقة، إضافة إلى كونها تنفرد بموقعها الجغرافي المميز، واحتلالها المركز الـ 30 بين دول العالم من حيث القوة الشرائية، ولكن على الرغم من كل هذه المزايا، فإن أمر انضمام المملكة إلى المنظمة، لا يخلو من التحديات، التي أشار إليها الكتاب، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، أهمية توسيع القاعدة الاقتصادية، توطين العمالة، ومضاعفة معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي.
خلاصة القول، إن كتاب "مفهوم العولمة بلغة العولمة" للمؤلف الدكتور فواز بن عبد الستار العلمي مستشار وزير التجارة والصناعة ورئيس الفريق الفني السعودي للمفاوضات، في رأيي, نجح نجاحاً باهراً في قدرته الفائقة على رصد جهود وأحداث المملكة العربية السعودية الطويلة، التي بذلت في سبيل الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، بما في ذلك تداعيات ذلك الانضمام، وكيف أنه سيعمل بنهاية المطاف في صالح التجارة والاقتصاد السعودي بشكل عام، وفي صالح المواطن السعودي بشكل خاص، من خلال مضاعفة قدرة نفاذ السلع والخدمات السعودية لأكبر عدد ممكن من الأسواق، ومضاعفة كذلك فرص سعودة الوظائف (التوطين)، وتوفير فرص أكبر للمستهلك السعودي للاختيار من بين السلع والخدمات العالمية المتاحة في السوق السعودية، في ظل سياسات المنظمة، التي تكفل مكافحة ظاهرتي الغش والإغراق التجاري، وبالله التوفيق.