ملامح التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون
يعتبر مجلس التعاون الخليجي في نظر الكثير من المتابعين المحايدين من أنجح تجارب التكامل السياسي والاقتصادي التي ظهرت في محيطنا العربي، على الرغم من أن مشاريع الوحدة العربية بدأت في ستينيات القرن الماضي. وفي اعتقادي أن تلك التجارب على اختلاف أشكالها لم تنجح لأسباب متعددة أبرزها تعارض المصالح السياسية بين الشركاء وافتقادها عناصر التكامل الحقيقية التي تساعد على استمرار أي مشروع تكاملي أو وحدوي, فهي انبثقت على خلفية حسابات سياسية آنية ولم تراع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما أنها, في رأيي, لم تكن صادقة في أهدافها بقدر ما كانت أداة سياسية فرضتها مصالح وقتية.
وإذا قارنا التجربة الخليجية بمثيلاتها العربية سنلاحظ أن دول المجلس تمتلك الخصائص الجغرافية و السكانية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية نفسها, إضافة إلى أنها تشترك في تشابه أنظمة الحكم فيها، لذا فإنها لم تجد صعوبة في المضي بمشروعها التكاملي, ولا سيما أن قادتها لديهم قناعة ورغبة أكيدة في نجاح هذا التجمع الإقليمي.
لقد أسهم المجلس بعد مضي نحو ربع قرن على إنشائه في تحقيق قدر معقول من تنسيق المواقف السياسية, وأنجز بعض متطلبات الوحدة الاقتصادية, وإن لم تصل تلك الإنجازات إلى طموحات مواطني دوله, التي بلا شك تسبق ما تم تحقيقه بمراحل، ومع ذلك فإنها إذا ما قيست بالتجارب العربية المماثلة, تبدو مقبولة إلى حد ما وإن لم تصل إلى تمنيات القادة والمواطنين بالتأكيد.
ومن العناصر التي ساعدت دول المجلس على تحقيق قدر مهم من الإنجازات على المستوى الاقتصادي امتلاكها الخصائص الاقتصادية نفسها, فهي تعتمد في دخلها على إيرادات النفط والغاز, وتكثر فيها العمالة الوافدة وتعاني ارتفاع معدلات البطالة بين المواطنين، كما أن متوسط الأجور فيها متقارب ويعتبر مرتفعا قياسا بباقي الدول العربية، إضافة إلى أنها أغفلت تنمية مواردها الاقتصادية الأخرى – عدا النفط - مدة طويلة ولم تول هذا الأمر الاهتمام الكافي إلا في السنوات القليلة الماضية، ومع ذلك فإنها تسير قدما في إتمام مشاريع اقتصادية مهمة مثل إكمال تنفيذ السوق المشتركة وتوحيد عملتها وربط شبكتها الكهربائية وتشجيع الاستثمارات البينية بينها، وتشترك أيضا في أنها توفر بيئة استثمارية جاذبة للمستثمرين سواء كانوا من مواطنيها أو من الأجانب، كما أن مؤشرات الأداء الاقتصادي فيها متقاربة وبالذات في معدلات النمو الاقتصادي ونسبة التضخم، في حين بلغ إجمالي صادراتها 371 مليار دولار عام 2005, وهو رقم كبير بلا شك, أما إجمالي الواردات فقد بلغ 143 مليار دولار في العام نفسه, وهذا يدل على أن هناك فائضا في ميزان المدفوعات يقدر بـ 228 مليار دولار يحتاج إلى توظيف أمثل.
من هنا يتبين لنا أن مقومات التكامل الاقتصادي بين دول المجلس متوافرة, وهذا ما يجعلنا ننادي بتسريع إجراءاته وتقليل الوقت اللازم لتنفيذ مشاريعه, ولن يتحقق ذلك في نظري إلا بتطوير دور أمانة المجلس ودعمها بمندوبين دائمين يمثلون جميع الأنشطة الاقتصادية, ولديهم تفويض قوي بإتمام مشاريع تنتظر التنفيذ منذ مدة.
واللافت هنا أن القطاع الخاص في دول المجلس سبق التنظيم الرسمي في المضي في شراكة فاعلة ومهمة بين دوله. ولعل مشاريع المستثمرين الخليجيين في جميع دول المجلس دليل على رغبة هذا القطاع في توسيع وتنويع استثماراته في الدول الخليجية.
إن الاهتمام المتزايد من قبل قادة دول المجلس بالشأن الاقتصادي في الآونة الأخيرة يجعلنا, كمراقبين, أكثر تفاؤلا من حيث تسريع إقرار التشريعات التنظيمية التي تكفل تحقيق التكامل الاقتصادي خلال السنوات القليلة المقبلة, لأن العقبات التي يواجهها المجلس في هذا الشأن يمكن حلحلتها بالتنسيق والتفويض، فمصلحة جميع دول المجلس المستقبلية تكمن في وحدة اقتصادية تستطيع بواسطتها تقوية موقفها التفاوضي مع التجمعات الاقتصادية الأخرى، فالعالم اليوم يسير في اتجاه تحقيق مصالحه الاقتصادية، لذا لا غرابة في أن يكون الجانب الاقتصادي هو المحرك الأهم للأحداث السياسية.
من المهم النظر في توحيد القوانين والتشريعات التي لها علاقة بالشأن الاقتصادي كخطوة أولى يتم بعدها إكمال فتح السوق وإنشاء بنك مركزي وعملة موحدة، عندها يمكن أن تجني جميع دول المجلس ومواطنيها منافع التكامل الاقتصادي أو السوق المشتركة.