مستقبل أسعار النفط بين نظريتين: أسعار عالية أم منخفضة؟ الحلقة 12 من 13
12- زيادة دور المضاربين
المضاربون هم الذين يقومون بشراء عقود نفط مستقبلية بسعر محدد مسبقاً على أمل بيعها في المستقبل بسعر أعلى. بعبارة أخرى، المضاربون يتعاملون بأوراق فقط تخص نفطاً قد يكون ما زال في باطن الأرض، أو في ناقلة في المحيط الأطلسي، أو في أنبوب نفط روسي.
ازداد دور المضاربين في أسواق النفط في الأعوام الأخيرة بشكل لم يسبق له مثيل, حيث بلغ المتوسط الأسبوعي لعقود المضاربة في الشهور العشرة الأخيرة من العام الحالي ثلاثة أضعاف ما كان عليه في عام 2005، وأكثر من ضعف ما كان عليه في عام 2000. يعود هذا الارتفاع في المضاربات إلى عدة أمور أهمها الانخفاض المستمر في أسعار الفائدة منذ عام 1999 وحتى منتصف عام 2005، وتوقع استمرار أسعار النفط بالارتفاع، وانهيار أسهم شركات التقنية والمعلوماتية، وانخفاض أداء أسواق الأسهم العالمية.
يبين الشكل البياني المرفق المتوسط الأسبوعي لصافي عدد عقود النفط طويلة الأجل التي تملكها المضاربون منذ بداية صيف عام 2003. يوضح الشكل البياني ارتفاع المضاربات في عام 2006، كما يوضح العلاقة بين هذه المضاربات وأسعار النفط ممثلة بمتوسط أسعار خام غرب تكساس. بالرغم من أن الشكل يوحي بوجود علاقة طردية بين المضاربات وأسعار النفط، إلا أن هناك تفسيرات متضاربة لهذه العلاقة كما توضح آراء النظريتين أدناه.
الشكل البياني رقم (12)
أنشطة المضاربة في عقود النفط الآجلة مقارنة بأسعار النفط (بيانات أسبوعية)
المصدر: مصلحة التجارة الآجلة في السلع (نيويورك، الولايات المتحدة)، و إدارة المعلومات في وزارة الطاقة الأمريكية، 2006.
نظرية التغيرات الهيكلية
يرى أنصار هذه النظرية أن الإقبال الكبير على شراء عقود النفط الآجلة من قبل صناديق الاستثمار والادخار والبنوك بهدف الربح يمثل تغيراً هيكلياً في أسواق النفط. فهذه الشركات لم تقم بشراء كميات هائلة فقط، وإنما أصبحت لاعباً رئيساً في أسواق النفط بحيث أصبحت تؤثر في حركة أسعار النفط اليومية عن طريق شراء العقود بكميات كبيرة أو بيعها. فالأسعار ارتفعت مع ارتفاع أعداد العقود طويلة الأجل، وانخفضت مع انخفاضها خاصة في نهاية عامي 2004 و2005 كما هو موضح في الرسم البياني المرفق. بعبارة أخرى، كبر حجم المضاربات لدرجة أنها أصبحت تغير منحنى الطلب يمنة ويسرة، الأمر الذي أدى إلى زيادة ذبذبة أسعار النفط بشكل كبير. يتوقع بعض مؤيدي هذه النظرية أن أثر المضاربين في أسعار النفط تجاوز 15 دولاراً للبرميل.
يؤكد أنصار هذه النظرية أن البيانات الرسمية في الشكل البياني المرفق لا تعبر عن الحقيقة, لأن المضاربات أكبر بكثير مما هو معلن. وبالرغم من أنه يستحيل معرفة الحجم الحقيقي للمضاربات إلا أن أنصار هذه النظرية يشيرون إلى العديد من الابتكارات المالية التي يمكن للمستثمرين أن يستخدموها للمضاربة في أسواق النفط دون أن يتم تصنيفها رسمياً على أنها مضاربات، الأمر الذي يعكس تغيراً هيكلياً آخر، كما يعكس الأثر الكبير للمضاربين في السوق.
نظرية التغيرات الدورية
يرى أنصار هذه النظرية أن المضاربة في أسواق النفط يجب أن توضع في إطارها الواقعي لفهم أثرها على أسواق النفط. فارتفاع المضاربات في عقود النفط في الشهور الأخيرة صاحبه ارتفاع في المضاربات في السلع كافة، خاصة المعادن التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير في الأعوام الأخيرة. إن ارتفاع هذه المضاربات يعود إلى عوامل يمكن أن تتغير في أي لحظة مثل حدوث طفرة في قطاع معين مثل المعلوماتية أو الأدوية أو الطيران، أو ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية، أو ارتفاع الدولار، أو انخفاض معدلات النمو الاقتصادي في كل من الولايات المتحدة والصين. ومن هذه العوامل تغير نظرة المضاربين نحو الدول المنتجة للنفط، أو مستقبل النفط نفسه. فقد شاع ضمن المضاربين أن دول "أوبك" لن تستطيع زيادة الطاقة الإنتاجية بسرعة، وإن إنتاج دول خارج "أوبك" قد وصل إلى ذروته، وأن هناك عوامل سياسية ستحد من وفرة النفط. ولكن الوضع الحالي خالف كل هذه التوقعات كما تبين في الحلقات الماضية. بعبارة أخرى، لو أضفنا العوامل السياسية والاقتصادية والطبيعية إلى الرسم البياني لوجدنا أن هناك تفسيرات أخرى لارتفاع المضاربات وارتفاع أسعار النفط، والعكس بالعكس.
تشير التحليلات الإحصائية إلى أن ارتفاع أسعار النفط أسهم في رفع المضاربات و ليس العكس. ويثبت هذه النظرية سلوك المضاربين حيث يقومون ببيع العقود طويلة المدى مجرد انخفاض السعر، مع أنه من المفروض الانتظار إذا كانوا وراء ارتفاع الأسعار. إن المضاربين يقومون بالاستثمار في هذه العقود بناء على معطيات السوق، ولكنهم لا يقومون بخلق هذه المعطيات، كما أنهم لا يسيطرون على إنتاج الدول المصدرة للنفط، أو على الأعاصير في خليج المكسيك. إن الواقع يشير إلى أن ردة الفعل تأتي من المضاربين لتصريح أحد وزراء "أوبك"، بينما لا نجد أن "أوبك" تغير إنتاجها بسبب المضاربين.
تشير تحليلات إحصائية أخرى إلى أن زيادة عدد عقود المضاربة بمقدار ألف عقد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بمقدار خمسة سنتات فقط للبرميل. هذا يعني أنه حتى لو أخذنا بالرأي القائل بوجود أثر للمضاربين على السوق، فإن أثر المضاربين في أسعار النفط محدود جداً. فهذه النتيجة تبين أن انسحابا كاملا للمضاربين من الأسواق الآجلة في ذروة وجودهم يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط بمتوسط لا يتجاوز أربعة دولارات للبرميل.
خلاصة الأمر وفقاً لهذه النظرية أن دور المضاربين محدود، وإذا كان لهم أي دور فإنه ضئيل وقابل للتغير. لذلك فإن ارتفاع هذه المضاربات يعتبر تغيراً دورياً وليس هيكلياً، الأمر الذي يعني احتمال هبوط أسعار النفط إلى ما كانت عليه قبل عام 2004.