العمالة الهاربة وحقوق الكفيل

<p><a href="mailto:[email protected]">nsabhan@hotmail.com</a></p>

هروب العمالة المنزلية وعلى وجه الخصوص بات ظاهرة مثيرة للحيرة والقلق، فلو كان هذا الهروب حالات فردية ونادرة وشاذة لهان الأمر، ولكنها تحولت بالفعل إلى ظاهرة يعاني منها الجميع، الأجهزة الأمنية والكفلاء الذين تذهب المبالغ التي يدفعونها لاستقدام سائق أو خادمة هدرا.
السؤال الذي يفرض نفسه حيال هذه الظاهرة السلبية هو: لماذا تهرب العمالة المنزلية بالذات؟ لا أظن أن سبب إقدامها على الهروب يعود لسوء المعاملة أو عدم توفير متطلبات المعيشة اللائقة والكافية من قبل الأسر التي تستقدمها، مع إقرارنا بوجود حالات شاذة تسيئ فيها بعض الأسر معاملتهم، وهي حالات نادرة لا تؤدي إلى جعل هذا الهروب ظاهرة بهذا الاتساع، فهناك حالات كثيرة تمت بعد الوصول بأيام أو أسابيع قليلة، أو حتى تحين الفرصة المناسبة للهرب خاصة بالنسبة للخادمات، ولو كان الهرب بدافع سوء المعاملة مثلا لتوجهت هذه العمالة بعد هروبها مباشرة لسفارات أو قنصليات بلادها أو لأقسام الشرطة لتقديم شكوى على الكفلاء، ولكنهم يختفون وكأنهم أشباح لا تُرى بالعين المجردة أو غير المجردة، مما يعني أن الهروب يتم لأسباب أخرى وأنه عملية منظمة ومقررة لديهم منذ ما قبل قدومهم، فهذه العمالة تدفع مبالغ طائلة للسماسرة في بلدانهم للحصول على التأشيرة التي يستخدمونها بمجرد القدوم ودخول البلاد ومن ثم الهروب. من الطبيعي أن هذه العمالة لا تقدم على الهروب هكذا بطريقة عشوائية ومغامرة، فلو لم تكن لديهم معرفة مسبقة إلى أين يذهبون ولمن يتوجهون لما هربوا بدون وجهة محددة، فهناك بالتأكيد مَن يحتضنهم من أبناء جلدتهم أو من جنسيات أخرى وافدة كونت عصابات لتلقي العمالة الهاربة وتوفير الملاذ الآمن لهم مقابل استغلالهم وأخذ الإتاوات عليهم وتسهيل إيجاد أعمال لهم، ومما سمعته بهذا الخصوص أن العمالة تجد في بلدانهم من يزودهم بأرقام هواتف وعناوين من يتصلون بهم لتنظيم عملية الهروب بإغراء تأمين أعمال لهم برواتب أعلى مما يتقاضونه من الكفلاء حسب العقد وذلك مقابل نسبة يدفعونها لهم، أي أننا إزاء عملية منظمة ومرتبة أوجدت هذه الظاهرة المقلقة فعلا.
ما أعتقده هو أن مشكلة نشوء ظاهرة هروب العمالة المنزلية على وجه الخصوص هو نتيجة لضعف الإجراءات الرادعة التي يفترض أن تجعل من هروب العامل أو العاملة عملية مكلفة لهما، وهو ما يتطلب مراجعة هذه الإجراءات وتطبيق عقوبات رادعة وصارمة، وأبسط وأول هذه الإجراءات المطلوبة هي إسقاط أي حقوق للعمالة الهاربة على مكفوليها في حالة القبض عليها، لا أن يلزم الكفيل بدفع ما عليه حتى ولو بقي شيء لديه لها أو إجباره على استخراج تذكرة سفر في حالة عدم الرغبة في بقائها للعمل لديهم وهو ما يجب أن يتضمنه العقد المبرم معها في بلادها قبل القدوم حتى تدرك عواقب الهروب، وثاني هذه الإجراءات هو إلزام سفاراتها بتحمل مسؤولية مصاريف تسفيرها في حالة الهروب لكونها مسؤولة عن رعاياها الذين يخرقون نظام الإقامة وبنود العقد، وهنا لا بد أن نشير إلى أن كثيرا من سفارات وقنصليات دول العمالة الوافدة تسهم سلبيا في المساعدة على محاصرة ظاهرة هروبها حين تصدر لها جوازات بدل فاقد لكون هذه العمالة تهرب وتترك جوازاتها لدى الكفيل، فلو أنها تدقق جيدا وتتعاون مع الجهات الأمنية في ذلك لأمكن التضييق على هذه العمالة الهاربة، أيضا لا بد من وجود تنظيم أكثر حزما مع مكاتب الاستقدام كأن يفرض عليها تحمل مسؤولية مالية تعوض فيها الكفيل، في حالة هروب العامل أو العاملة، وذلك حتى تكون حريصة ودقيقة في اختبار النوعية التي تستقدمها أو تأخذ عليها ضمانا ماليا مسبقا يحفظ حق الكفيل.
مثل هذه الإجراءات الحازمة مطلوبة وضرورية من أجل ضمان حقوق الكفيل الذي لا يجد بالفعل من يصونها له، فهو يتكلف ماديا بدفع مبالغ للاستقدام ابتداء من قيمة التأشيرة وانتهاء بقيمة الاستقدام، والتي لا تقل عن ستة آلاف ريال، وحين تهرب هذه العمالة أو ترفض العمل كما يحدث أحيانا تضيع حقوق الكفيل الذي يتحمل وحده تبعاته، وحين يريد استخراج تأشيرة بديلة يفرض عليه أيضا دفع قيمتها من جديد مع أنه لا ذنب له في ذلك، فالكفيل في هذه الحالة هو المتضرر الوحيد.
الحقيقة التي يجب أن ندركها هي أننا أمام مشكلة كبيرة متمثلة في هروب العمالة المنزلية والتي باتت بالفعل ظاهرة، وهناك حكايات عن عمليات الهروب هذه تدل عليها، ولا يكفي لمحاربتها وحماية بلدنا من تبعاتها الأمنية والمادية الاكتفاء بالتبليغ لإسقاط المسؤولية النظامية عن الكفيل، بل لا بد من إيجاد إجراءات أخرى تجعل كما ذكرنا من عملية الهروب مكلفة لمن يهرب منهم وسقنا أمثلة عليها، ولعل أهم وأشد إجراء عقابي هو حين يمنع الهارب من العودة إلى بلادنا مرة أخرى لأي سبب، وهذا لن يحدث إلا حين يطبق نظام البصمة الذي سوف يحدد هوية كل شخص حتى وإن غيّر اسمه ومهنته كما هو حادث الآن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي