تعددت الآراء وحقيقة السوق واحدة..

<p><a href="mailto:[email protected]">Abdalaziz3000@hotmail.com</a></p>

لماذا هذا الهبوط الحاد في سوق الأسهم رغم سلامة المؤشرات الاقتصادية؟ ماذا نفعل نبيع أم نشتري أم ننتظر أم نغادر سوق الأسهم إلى غير رجعه؟ أين هيئة السوق المالية؟ هل للأجواء الجيوسياسية دورا في هذا الهبوط الحاد؟ هل يعود سوق الأسهم إلى سابق عهده أم أنه دخل في مرحلة الموت السريري؟ هل السوق بدأ مرحلة التحول من سوق مضاربي إلى سوق استثماري؟ هل ما يحدث مضر أم نافع للاقتصاد الوطني على المدى البعيد؟ هذه الأسئلة وأخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها تتكرر على مسامعنا كثيرا، حيث يبحث مطلقيها عن إجابات مقنعة في سبيل تحديد مواقفهم ليتخذوا القرارات الأفضل.
ونتيجة لدخول معظم المواطنين في سوق الأسهم، فإن معظم هذه الأسئلة تكون مصحوبة بنداءات استغاثة لخادم الحرمين الشريفين – حفظه الله ــ للتدخل في رفع المعاناة عن المواطن المغلوب على أمره الذي دخل السوق لتنمية مدخراته فإذا به يخسرها نتيجة لأسباب كثيرة لا دخل له بها، فهو الضحية ويجب إنقاذ السوق من أجله، وبالطبع فإن هذه النداءات تأتي لاستدرار عاطفة صناع ومتخذي القرار لمعالجة الهبوط الحاد حلا عاطفيا شعبيا على حساب الحلول العقلانية القائمة على رؤى اقتصادية بعيدة.
ومهما تعددت الآراء حول أسباب هبوط السوق الحاد ومستقبله، وسواء كانت تلك الآراء عقلانية أم عاطفية فإنني أكاد أجزم أن سوق الأسهم في جميع دول العالم سوق واحد، نعم سوق واحد وتنطبق عليه أسباب الاستقرار نفسها والصعود والهبوط ( بنوعيهما الحاد والمتدرج )، وما حدث في أسواق الأسهم العالمية والإقليمية يحدث اليوم لدينا، حيث نمر بالمراحل التي مرت بها هذه الأسواق من فترات استقرار ثم صعود حاد ثم هبوط حاد ثم استقرار وهكذا في دورات اقتصادية، رغم أن بعض هذه الأسواق في بيئات قانونية وثقافية واقتصادية أكثر تطورا من بيئتنا بكثير، حيث تصنف هذه الأسواق بالأسواق الناضجة فيما لايزال سوقنا يصنف ضمن الأسواق الناشئة.
وحيث إن الإنسان يتميز عن باقي المخلوقات بتناقل الخبرات والتجارب، فلا داعي لأن يجرب لكي يعرف الخطأ والصواب، حيث بإمكانه أن يستفيد من تجارب الآخرين من خلال القراءة والتعلم والتدرب، ومن أجل ذلك وجدت المكتبات لبيع الكتب التي تختزل تجارب سنوات طويلة في مجالات متعددة لرجال حققوا نجاحات باهرة، والمدارس والمعاهد والجامعات ومراكز التدريب التي تنقل المعارف والخبرات وتعزز المهارات في أي مجال قبل الولوج فيه دون وعي والتعامل معه من خلال التجربة والخطأ، والذكي من تعلم من أخطاء غيره والشقي من تعلم الناس من أخطائه، ولكنه من المحزن حقا أن بعض الأفراد لا يتعظون ولا يستفيدون من تجارب الآخرين، ولا يصدقون ما يقال لهم إلا إذا جربوا هم بأنفسهم ووقعوا في الأخطاء وذاقوا مرارتها.
وحيث إنه من المفترض أن يكون معظمنا عاقلا قادرا على الاستفادة من تجارب الآخرين، فإنني سأحاول هنا أن أعرض مما يدور في سوقنا من خلال التعرف على ما دار في أسواق أخرى، لكي نتعرف على ما يجري في سوقنا لعلنا نعي ونتعظ ونقرر القرار الأنسب.
إن من يقرأ ما حصل في أسواق المال الإقليمية والعالمية يعرف أن هناك أحداثا أو مسببات رئيسية تمر بها تلك الأسواق مهما كانت الأحداث والمسببات الفرعية، هذه الأحداث الرئيسية تجعل الأسواق المالية تمر بمراحل متشابهة (استقرار، طفرة، ركود، استقرار)، نعم معظم الأسواق تكون في حالة استقرار ( عرض وطلب متوازن ) في الظروف العادية حيث يغلب على هذه الأسواق الطبيعة الاستثمارية للمتعاملين بها وتكون المضاربة بهارا ليس إلا، ثم تنشأ دورة اقتصادية لهذا السوق نتيجة متغيرات معينة ( زيادة السيولة، انتعاش الاقتصاد، انسداد قنوات استثمارية أخرى.. إلخ) فيزداد الطلب على حساب العرض فتحدث فجوة كبيرة فينتعش السوق وتحدث الطفرة التي تجذب المزيد من المتعاملين حتى تسود المضاربة على حساب الاستثمار حتى يصبح في كل أسرة مضارب أو اثنان، وهنا ينشأ مناخ جديد للهوامير والمتلاعبين والمتحايلين حيث يستطيع هؤلاء في فترة معينة امتصاص معظم السيولة التي في أيدي صغار المضاربين بذكاء كبير حيث لا تستيطع أجهزة الرصد والضبط السيطرة عليهم لهيمنتهم على الجميع من خلال تحريك العواطف وعصر القوانين لا كسرها، وحالما يتم شفط أموال الصغار ينسحب هؤلاء بتدرج ليتركوا السوق للصغار فينهار نتيجة غياب العرض والطلب المصطنعين بفعل الهوامير، وهنا عادة ما ينسحب 60-70 في المائة من صغار المضاربين، ثم يعود الهوامير بعد مدة عندما تصبح الأسعار مغرية ليكرروا اللعبة من جديد على المتبقين من صغار المضاربين 30 إلى 40 في المائة حيث يقومون بجولات من العرض والطلب المصطنع حتى يحين القطاف النهائي، وعندها لن يعدموا السبب فيخرجوا ليتركوا البقية تصرخ طالبة الرحمة، وبهذا تنتهي فترة الطفرة لنعود للركود ومن ثم للاستقرار مرة أخرى بانتظار دورة اقتصادية أخرى وهكذا.
وهذا ما حصل في سوق "ناسداك" على سبيل المثال لا الحصر حيث صعد السوق بشكل جنوني إلى نحو 5400 نقطة ثم انهار إلى نحو ألفي نقطة بصورة سريعة ومروعة ثم سار أفقيا عند هذا المستوى لنحو عشرة أشهر ثم بدأ مسيرة الانهيار الثانية تدريجيا لمدة ثلاثة أشهر حتى وصل المؤشر إلى 1109 نقاط واستمر على ذلك لمدة طويلة جدا، وهذا ما يمكن أن نسميه المسارات الرئيسية لأسواق الأسهم أما المسارات الفرعية أو الأسباب الفرعية فتختلف من سوق لآخر، لكن في مجملها تؤدي إلى تحريك السوق في تلك المسارات الرئيسية.
وعندما نطبق ذلك على سوقنا يتضح لنا أن الدورة الاقتصادية لهذا السوق قد شارفت على الانتهاء وأن معظم صغار المضاربين الذي يشكلون حطب هذه المرحلة قد خرجوا لسبب أو لآخر وأن كبار المضاربين قد اكتفوا من هذه الدورة بالمليارات التي سيتجهون بها لأسواق أخرى أو لتحويلها إلى أموال استثمارية لا مضاربية حين استقرار أسعار الأسهم عند أرقام مغرية للمستثمر ( تحقق عوائد سنوية مغرية ).

وبالتالي فلا توقيت التداول (الذي أرجو ألا يتغير) ولا الاكتتابات والإدراجات (التي أرجو أن تتزايد) ولا غير ذلك من الأسباب يمكن أن تكون السبب الرئيسي فيما يمر به سوق الأسهم السعودي من تصحيحات منطقية ليصبح سوقا استثماريا يلعب دوره الحقيقي في منظومة الاقتصاد الوطني، فالأمر لا يتعدى مرحلة جنونية نشأت في ظروف مواتيه حقق فيها من حقق أرباحا طائلة وخسر فيها معظم الشعب، كما هو الحال في معظم دول العالم، وانتهت اللعبة، وعلى الجميع العودة إلى أعمالهم وأنشطتهم ومصادر أرزاقهم الرئيسية، فلا يعقل بحال من الأحوال أن يتاجر معظم الشعب في سوق واحد ويربح الجميع، بل سيربح الشاطر على حساب الآخرين، والشاطر دون شك قليل، وكل دورة اقتصادية وأنتم بخير وعليكم بالاستثمار في أسهم منتقاة تنطبق عليها معايير الاستثمار، فالإحصائيات العالمية تقول إن 6 في المائة فقط من المضاربين يحققون أرباحا بينما يحقق 75 في المائة من المستثمرين أرباحا وأن مفتاح الثراء في الأسواق المالية هو أن تصبح صديقا وتابعا للسيولة الاستثمارية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي