نظام الاكتتابات وجدوى بعض الشركات

فتح مرة أخرى كم التخصيص لأسهم شركة البحر الأحمر الحديث حول جدوى طرح الشركات الصغيرة من ناحية رأس المال للمساهمة العامة، فالنزر اليسير جدا الذي حصل عليه المكتتب لا يتوافق مع القيمة الاستثمارية التي يتوقعها، فالسهمان أو الثلاثة كما في هذه الشركة وقبلها شركة الدريس ليس لها أي عائد مجز حتى لو بيعت بعشرة أضعافها. أيضا تكررت التساؤلات حول الاكتفاء بطرح 30 في المائة من الأسهم للاكتتاب العام وإبقاء 70 في المائة في حوزة المؤسسين، وأيضا تساءل الناس عما يراه كثير منهم من مغالاة في علاوة الإصدار، وأظن أن هذه الملاحظات الثلاث تعكس استياء عاما بالرغم من نظامية الطرح كما هو عليه حاليا، فنحن هنا لا نتحدث عن مخالفات نظامية ولكن نعرض لوضع يحتاج إلى إعادة نظر وتقييم لسلبيات وإيجابيات حجم وشروط الاكتتابات، وبدون الدخول في تفاصيل الأرقام فإنه يمكن القول من منطلق عام إن إضافة شركة محدودة رأس المال، كما في حالة شركتي البحر الأحمر والدريس، وهذا لا يعني اللوم لهما، فهما عملا ضمن نظام الاكتتابات، وقياسا على محدودية ما يمكن أن تطرحه من أسهم للاكتتاب العام, وما يتم تخصيصه للفرد لا يثري السوق ولا ينفع المكتتبين الذين يتطلعون إلى جني أرباح مجزية لا توفرها نسبة التخصيص لمثل هذه الشركات، فالمستفيد الأوحد منها هم المؤسسون من عدة جوانب، فهم أولا يحصلون من قيم ما يطرح من أسهم بعلاوة إصدار مرتفعة على تغطية كاملة لرأس المال، وثانيا: في الوقت الذي يحصل فيه المكتتب على السهم بعشرة ريالات مضافة إلى علاوة إصدار بما يوازي ستة أضعاف سعر السهم الأساسي، فإن المؤسسين يحصلون على السهم بعشرة ريالات، أي أنهم لا يدفعون علاوة إصدار كما يفرض على المكتتبين الآخرين، وهذا حقهم لكونهم ملاكا، إلا أنه أيضا من حق المكتتبين ألا يدفعوا علاوة إصدار باهظة تصل إلى خمسة أضعاف وأكثر، ومع أن النظام الدارج أعطى المؤسسين الحق في طرح ما يرغبونه من نسبة رأس المال بما لا يقل عن 30 في المائة، إلا أن الوضع يحتاج حين صياغة نظام جديد للاكتتابات إلى أن يتضمن ما يخدم عامة المكتتبين مساواة بالمؤسسين، أي أن تكون نسبة ما يسمح بطرحه من أسهم لأي شركة جديدة مرتبطة برأسمالها، فكلما قل رأس المال يجب أن تزيد نسبة الأسهم المطروحة، وذلك حتى يتاح للمكتتب الحصول على تخصيص مجز على الأقل، ولمعالجة ضعف التخصيص بسبب قلة المطروح، وكلما ارتفع رأس المال يمكن تناقص نسبة الطرح لخلق توازن بين رأس المال والطرح، وهذا ممكن من أجل العدالة في الاكتتابات إذا ما نظر فيه للمصلحة العامة، كما اتفق عرفا على نسبة الـ 30 في المائة كحد أدنى للطرح، وهو ما يمكن أن تحدد فيه مرونة فيما يطرح للاكتتاب العام وفق قاعدة النسبة والتناسب، أي رفع نسبة المطروح قياسا بمحدودية رأس المال، وهو ما سيجعل من طروحات الشركات ذات رأس المال المحدود مجزية ضمن نظام يمكن صياغته حسبما يحقق هذه المصلحة والفائدة العامة، وأذكر إن لم تخني الذاكرة، أن الدكتور ياسين جفري، الذي نشاطره أحزانه بفقد ابنه، ألهمه وأهله الصبر والسلوان، قال شيئا من ذلك في إحدى مقالاته.
ما أود لفت النظر إليه هنا أني لا أتناول الموضوع من ناحية التحليل المالي أو الاقتصاي، لأني أعرف أن ما يجري من طرح وتخصيص لا يوجد له نظام محدد، ولكني أطرحه لكونه مع نظاميته "العرفية" إن جاز الوصف، لا يحقق مصلحة عامة أو بعبارة أوضح لا يخدم عموم الناس الباحثين عن فرص استثمار على (قدهم) ويسعون إلى جني أرباح سريعة ومجزية من خلال الاكتتابات الجديدة، فالإصرار على التمسك بنسبة الـ 30 في المائة لا يعتقد بأنه يخدم هدف التخصيص وينفع عموم المكتتبين، بل والشركات ذاتها، لأن إصرار المؤسسين على التمسك بثلثي رأس المال يجعل من التخصيص عملية غير كاملة، لأن التخصيص الحقيقي هو في توسيع قاعدة الشركة عن طريق طرح ما لا يقل عن 45 في المائة من رأس المال، أما الوضع الحالي فهو يبقي الاحتكار بجعل المؤسسين يتحكمون في أغلب الملكية والاستفادة من نسبة التخصيص القليلة.
الحقيقة التي نريد لفت النظر إليها هي أن عمليات الاكتتابات في حاجة ماسة إلى أن يعاد النظر فيها، سواء من حيث نسب ما يطرح من رأس المال أو مراجعة علاوة الإصدار ووضع تنظيم يخدم كل الأطراف بوضع ميزان نسبة وتناسب بين حجم رأس المال وكمية الأسهم التي تطرح للاكتتاب، وأعتقد إذا سارت الأمور على ما هي عليه، ومع ظهور فرص استثمارية أخرى، فسيقل الإقبال على الاكتتابات التي لن تكون عوائدها مجزية مع قلة التخصيص، خصوصا مع الشركات ذات رأسمال الأقل.
ولأن الشيء بالشيء يذكر فلا بد لنا من أن نذكر بالآراء التي تطالب الدولة، وهي تسعى إلى التخصيص، لكي تضرب المثل وتؤسس لمفهوم جديد وتقوم بضخ جزء مما تملكه من أسهم شركات مؤثرة وقوية، وهي كثيرة في السوق، حتى تنعشها وتفتح أبوابا للناس على الأقل لتعويض خسائرهم الكبيرة التي تعرضوا لها دون أن يكون لهم ذنب ولا لاقتصادنا القوي والمتين ولا لأوضاعنا المستقرة والواعدة بكل خير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي