علاوة الإصدار للشركات المساهمة .. كيف تحتسب؟ .. ومسؤولية مَن؟

<a href="mailto:[email protected]">falkassim@Yahoo.com</a>

كثر اللغط والحديث حول علاوة الإصدار للشركات المساهمة الجديدة، ولعل ما أثار هذا الهرج هو علاوة الإصدار التي أقرت لشركة فواز الحكير، حيث بلغت العلاوة عشرة أضعاف القيمة الدفترية للسهم، وهي لا شك علاوة كبيرة بجميع المقاييس، ولكن لا يمكن الحكم بعدالتها من عدمها إلا بعد التمحيص والمراجعة لطريقة وآلية احتساب العلاوة والتي لم يعلن عنها للأسف.
ولأن فهم الشيء وقبوله نابع من معرفته وتصوره، دعونا في البداية نوضح مفهوم علاوة الإصدار، حيث يوجد جدل حول المعنى، والاتفاق على المعنى طريق لقبول الفكرة، وعلاوة الإصدار ببساطة هي الفرق بين القيمة السوقية لسهم الشركة والقيمة الدفترية له.
والكثير من غير المختصين يخلط بين القيمة السوقية والدفترية والاسمية، فالقيمة الاسمية للسهم هي القيمة التي يصدر بها السهم (في حالتنا وواقعنا في سوقنا السعودية حددت بعشرة ريالات). أما القيمة الدفترية فهي صافي حقوق الملكية للشركة مقسمة على عدد الأسهم، وصافي حقوق الملكية يشمل رأس المال المدفوع مضافاً إليه جميع الاحتياطيات والأرباح المحتجزة. أما القيمة السوقية فهي القيمة العادلة لسهم الشركة في السوق، وتشمل هذه القيمة أصول الشركة الثابتة والمنقولة، كما تشمل أيضا اسم الشركة وشهرتها كما أنها تغطي الالتزامات التي عليها.
القيمة الاسمية للسهم حقيقية لا جدل فيها حيث تم تحديد هذه القيمة في عقد التأسيس والنظام الأساسي أو في تعديلاتهما، كما أن القيمة الدفترية أصبحت واقعاً تاريخياً بحكم تراكم الاحتياطيات والأرباح المحتجزة واعتماد المحاسبين القانونيين لها في القوائم المالية، المشكلة تكمن في القيمة السوقية للسهم، وتحديدها هو مشكلة المشكلات والرقم الأصعب في المعادلة، حيث إن القيمة السوقية للشركة تحيط بها جهالة كبيرة، ويعتمد تحديدها على مزيج من الحقائق والتنبؤات والحكم الشخصي، كما تحيط بها وجهات نظر قد يصعب الاتفاق عليها.
وقد تعارف المهنيون على أن القيمة السوقية لأي شركة مدرجة في السوق تتحدد بعملية حسابية تنتج عن حاصل ضرب عدد الأسهم المصدرة بالقيمة السوقية للسهم في السوق. والمشكلة الحقيقية تكمن في أن الشركات الجديدة لا توجد لسهمها قيمة سوقية لذلك يتم تقدير قيمتها تقديراً من قبل المتخصصين، ووفق افتراضات ومعادلات اتفق الخبراء على أنها الوسيلة الأنسب والآلية الأكثر عدالة لاحتساب القيمة السوقية للشركة (للنشاط). وتعتمد هذه الطرق على مزيج من الحقائق التي لا تقبل الجدل والتوقعات المستقبلية والافتراضات المنطقية والحكم الشخصي، ولذلك يكتنفها غالباً الاختلاف بين المقيمين أنفسهم فلو جمعت عشرة خبراء على طاولة واحدة لتقييم نفس الشركة نفسها وعمل كل واحد منهم بمفرده، لانتهوا إلى عشرة أرقام مختلفة كقيمة للشركة، ولكنهم بالتأكيد إذا تحلوا بالمهنية والعدالة والاستقلالية والخبرة اللازمة فإنهم سيكونون قادرين على إقناع بعضهم بعضا بسلامة الطرق التي توصلوا بها إلى هذه القيم وإن اختلفوا حول القيمة ذاتها.
والطرق التي يستخدمها الخبراء لتحديد القيمة العادلة لأي شركة أو منشأة كثيرة جداً ومتشعبة وتعتمد غالباً على ما يمكن أن تحققه الشركة مستقبلاً. والطريقتان الأكثر شيوعاً للتقييم هما طريقتا مكرر الربحية والتدفقات النقدية المخصومة، وتعتمد طريقة مكرر الربحية على تحديد قيمة الشركة وفقا لمكرر الربحية الذي تحققه الشركات المثيلة المدرجة أسهمها في السوق، فيتم تحديد متوسط مكرر الربحية للشركات المثيلة في السوق أو للقطاع ككل، ثم يتم ضرب مكرر الربحية هذا في ربحية الشركة المطلوب تقييمها والتي تحققها حالياً وعادة ما يؤخذ متوسط السنوات الثلاث الأخيرة لذلك، وبالطبع عند تطبيق طريقة مكرر الربحية وفقاً لمكررات الربح في السوق السعودية سينتج عنها تضخيم لتقييم الشركات بشكل غير عادل بسبب أن القيمة السوقية متضخمة أصلاً لأكثر الشركات، كما أن السوق لا يتوافر فيها المقياس المناسب للشركات المثيلة، يضاف إلى ذلك أن قلة الشركات المدرجة في السوق ككل تقلل من عدالة هذا المقياس، والأهم من ذلك كله أن قيمة سهم الشركة وهي مدرجة في السوق تختلف عادة عن قيمتها وهي خارج السوق لأسباب اقتصادية وأسباب نفسية.
الطريقة المعتبرة بشكل أكبر وهي الأكثر تطبيقاً عند تقييم الشركات هي طريقة التدفقات النقدية المخصومة وتعتمد هذه الطريقة على توقع التدفقات النقدية المستقبلية للشركة ويتم احتساب القيمة الحالية لها وفقاً لنموذج رياضي يأخذ في الاعتبار مخاطر السوق ومخاطر الصناعة والمدة المقدرة للتوقعات المستقبلية للنقد المتوافر من النشاط ومعدلات الخصم المقبولة، وهذه الطريقة يعتريها الكثير من المآخذ التي يمكن الجدل حولها، وأهم هذه الأمور: الافتراضات التي بنيت عليها التدفقات المتوقعة وهي محل جدل لا ينتهي، كما أن معدل الخصم الذي يتم احتسابه يمكن المجادلة حوله وفي مكوناته بشكل كبير، ورغم ذلك تبقى هذه الطريقة هي الأكثر قبولاً لدى المستثمرين.
بإمكان أي خبير تقييم محترف (إذا لم يراع ذمة ولا ضميرا ولا أمانة) أن يوصل قيمة أي شركة إلى القيمة التي يرغب الملاك فيها، يكفيه لذلك بعض التلاعب بالافتراضات التي بنيت عليها التدفقات النقدية، وبعض التبريرات حول احتساب معدل الخصم، وهذا مثار الجدل الكبير والذي يؤكد أهمية التحقق من الحيادية الكاملة لمستشار التقييم وموضوعية التقييم والأسس التي قام عليها.
وللإجابة عن عنوان هذه المقالة ففي تقديري أن مسؤولية تقييم الشركة تقع على ملاك وإدارة الشركة بالدرجة الأولى، ثم على مستشار التقييم بالدرجة الثانية، ولكن عندما يكون التقييم بغرض إدراج أسهم الشركة في السوق فإن الجهات الرسمية تقع عليها المسؤولية الأكبر أمام المساهمين الجدد، حيث إن موافقة هيئة سوق المال ووزارة التجارة والصناعة على التقييم وبالتالي تحديد علاوة الإصدار التي سيدفعها المساهمون للشركة المدرجة أعطى لهذه الشركة وملاكها المبرر الرسمي، والتزكية المطلقة لصحة التقييم وعلاوة الإصدار، ولا يكفي الهيئة أو يعفيها من المسؤولية أن تعلن أن التقييم وتحديد العلاوة تم من قبل شركة متخصصة أو خبير مستقل.
الواجب على هيئة سوق المال أن تتأكد بشكل قاطع أن التقييم تم بناء على أسس منطقية ومن قبل جهات مستقلة، وأن أسس التقييم مقبولة ومقنعة وأن الافتراضات التي بني عليها التقييم أسس موضوعية، وأن التقييم تم بشكل عادل للشركة محل الإدراج، وعلى الهيئة أن تذكر ذلك صراحة عند طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام.
السؤال المهم الذي يطرح نفسه: لماذا لا يتاح تقرير التقييم للمساهمين قبل الإدراج؟ حيث يلاحظ أن الشركات التي تم إدراجها أخيرا لم تراع الإفصاح الكافي و الشفافية اللازمة لمعلوماتها المالية التاريخية وتوقعاتها المستقبلية وآلية تقييم سهمها، مما يترتب عليه جهالة تؤثر في قدرة المساهمين على اتخاذ القرار المناسب حول المساهمة في الشركة المدرجة من عدمها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي