الريال والاقتصاد والأسهم
<a href="mailto:[email protected]">mdukair@yahoo.com</a>
يتردد في كواليس الأروقة المالية والمصرفية حديث حول احتمال رفع سعر صرف الريال مقابل الدولار، نظرا لتحسن المؤشرات الاقتصادية العامة لاقتصادنا. فقد أدى ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأخيرة إلى تحسن معدل النمو في دخلنا القومي ليدور حول 6 في المائة، كما زادت كذلك حصيلة الخزانة العامة من النقد الأجنبي زيادة كبيرة، وهذا يدفع باتجاه إعادة النظر في سعر صرف الريال مقابل الدولار.
إن ارتباط سعر صرف الريال ارتباطا مباشرا بالدولار الأمريكي، قد يكون له مبرر مفهوم في الماضي. أما الآن فإنه يكلف الاقتصاد والناس كثيرا نظرا لأن كل هبوط في قيمة الدولار الأمريكي الضعيف تجاه العملات القوية كاليورو والين الياباني، يجر معه ريالنا هبوطا مقابل هذه العملات. وهو ما يعني ضعفا في القوة الشرائية للريال السعودي مقابل تلك العملات، فتصبح السلع الأوروبية واليابانية أغلى في نظر المواطن السعودي. وبما أن نحو ثلثي وارداتنا تأتي من المنطقة الأوروبية واليابانية، فإن هبوط الدولار وثبات سعر صرف ريالنا تجاهه، يعنيان تقريبا أن ثلثي القوة الشرائية لدخول المواطنين السعوديين تجاه هذه السلع، قد تآكلت.
إن ثبات سعر صرف الريال مقابل الدولار طوال السنوات السابقة، كان يعني في حقيقة الأمر ضريبة غير مباشرة يدفعها المواطنون السعوديون لصالح الحكومة ولصالح مصدري السلع الأجنبية غير الأمريكية للسوق السعودية. فهو ضريبة غير مباشرة على الناس من قبل الحكومة لأن مؤسسة النقد تستطيع عند سعر الصرف الحالي، أن تصدر ريالات أكثر مقابل كل دولار يدخل خزينة الحكومة من إيرادات النفط. وقد كان هذا مفهوما عندما كانت إيرادات الدولة من عوائد النفط منخفضة وكانت هناك حاجة لتمويل عجز الموازنة الحكومية، أما الآن وبعد تحقق فوائض مالية كبيرة لخزينة الدولة، فقد جاء الوقت لتخفيف العبء عن المواطنين تجاه أسعار المستوردات المرتفعة خاصة الأوروبية واليابانية منها. أما كون ثبات سعر صرف الريال بالدولار يعني ضريبة غير مباشرة لصالح المصدرين الأجانب، فذلك بسبب أن تدهور قيمة الدولار( ومن ثم الريال) مقابل العملات الأجنبية، يعني أن المواطنين السعوديين يدفعون أثمانا للسلع الأوروبية واليابانية أكثر مما تستحق عن لو عدل سعر صرف الريال بالدولار بما ينبغي أن يكون عليه الآن.
فمثلا لو تم رفع سعر الريال مقابل الدولار بحيث يصبح ثلاثة ريالات ونصف أو حتى ثلاثة ريالات لكل دولار( بدلا من 3.75 ريال لكل دولار) فالنتيجة أن القوة الشرائية لدخل المواطن سترتفع نظرا لانخفاض تكلفة جميع السلع الأجنبية التي نستوردها. أما بالنسبة إلى حركة رؤوس الأموال، فيفترض من الناحية النظرية، إذا تم رفع سعر صرف الريال مقابل الدولار، أن يزيد استثمار السعوديين في الأسواق المالية الأمريكية لأنها ستصبح أرخص وأكثر إغراء عن ذي قبل. مما يعني انسحاب جزء من السيولة الموجودة في سوق الأسهم السعودية خاصة من قبل المحافظ المالية الكبيرة. لكن من الناحية العملية أستبعد حدوث ذلك بدرجة كبيرة، نظرا لاستياء كثير من أصحاب رؤوس الأموال السعودية من السياسة العدوانية للإدارة الأمريكية الحالية، ولعدم ثقتهم في الوقت نفسه بسلامة أموالهم هناك نظرا للمعاملة العنصرية التي أصبحت تمارسها المؤسسات المالية الأمريكية تجاههم ( كما فعلت مؤسسة وسترن يونيون أخيرا مع كل من يحمل اسما إسلاميا على سبيل المثال)!
ولذا فإني أتفق مع ما ذهب إليه الخبير المصرفي الأستاذ محمد البدرة حينما أشار، في مقال نشره منذ فترة بإحدى صحفنا المحلية، إلى أن الوقت قد حان لإجراء تغير في سعر صرف الريال مقابل الدولار. فإذا كنا نتفهم سبب ثبات هذا السعر في فترة انخفاض أسعار النفط، وتحمل المواطنين السعوديين لتكلفة هذه السياسة، ودعمهم لخزينة الدولة من خلال تحملهم لأسعار الواردات المرتفعة، فإن الظروف الجارية تبرر الآن إعادة النظر في الأمر برفع سعر صرف الريال، لتحسين القوة الشرائية لعموم المواطنين في بلد يعتمد كثيرا على استيراد أغلب احتياجاته من الخارج. والواقع، أنه إذا أخذنا في الاعتبار أسعار صرف الدولار بالعملات الأوربية والعملة اليابانية التي كانت سائدة قبل عقدين من الزمان، فإن سعر صرف الريال السعودي بالدولار الأمريكي كان يجب أن يكون الآن في حدود 2.6 ريال لكل دولار، وفقا لتقدير الأستاذ البدرة! أي أننا ندفع للأوروبيين واليابانيين اليوم 1.15 ريال إضافي مقابل كل دولار من قيمة سلعهم التي نستوردها منهم! ( 3.75 – 2.60 = 1.15 )
لاشك أن التطورات الأخيرة في اقتصادنا تتطلب سياسات مالية ونقدية مغايرة لما كان مألوفا. وفي تصوري، أن وزارة المالية عليها أن تغير من سياستها المالية بالغة التحفظ تجاه برامج الإنفاق الحكومي، التي أدت إلى عدم رواج النشاط الاقتصادي واستمرار الاختناقات التي عانى ويعاني منها الناس في العقدين الأخيرين. وأما مؤسسة النقد فهي مدعوة بقوة الآن لانتهاج سياسة جديدة برفع سعر صرف الريال مقابل الدولار، وإلى التفكير الجدي أيضا بفك ارتباط الريال بالدولار والبدء بربطه بسلة من عملات المناطق التجارية الثلاث المهمة ( الأوروبية واليابانية والأمريكية ) التي نستورد منها جل وارداتنا، وذلك وفقا لأوزان ترجيحية مناسبة لهذه العملات اعتمادا على حجم وارداتنا منها، من أجل تخفيف الآثار السلبية للدولار الضعيف مقابل العملات الرئيسة الأخرى.
إن ربط الريال ربطا مباشرا وقويا بالدولار الأمريكي، جعل سياستنا النقدية رهينة لتغيرات السياسة النقدية الأمريكية التي يتبعها بنك الاحتياط الفيدرالي، دونما مبرر قوي لذلك. فما هو صالح للاقتصاد الأمريكي، ليس بالضرورة صالحا لاقتصادنا. فسياسة سعر الخصم المنخفض التي كان يتبعها بنك الاحتياط الفيدرالي وارتبطت بها مؤسسة النقد العربي السعودي، كانت ملائمة لظروف الاقتصاد الأمريكي ذي القاعدة الإنتاجية الضخمة، لكنها لم تكن مناسبة لاقتصادنا. بل العكس هو الصحيح، إذ أدت هذه السياسة في ظل العوائق الكبيرة التي تواجه المستثمرين المحليين، إلى تدفق السيولة الكبيرة المتولدة من عوائد النفط للمضاربة في سوق الأسهم. وهو نشاط لا يسهم في زيادة الدخل القومي، وإن كان البعض يستفيد من هذه المضاربة على المستوى الفردي. بل أدت هذه الظاهرة، إلى تعطيل وتراجع الأنشطة الاقتصادية المنتجة في المجالات الصناعية والزراعية والخدمية. ومما زاد من استفحال هذه الظاهرة عدم ملاءمة السياسات الاقتصادية للظروف الجارية، وبطء معالجة العوائق الإدارية التي تواجه المستثمرين المحليين، وتعدد الجهات الحكومية المسؤولة عن القوانين الاقتصادية، مما أدى إلى تضاربها وعدم استقرارها. ثم أفضت هذه العوامل مجتمعة إلى تأخر استغلال الفرص الاستثمارية الواعدة والكامنة في اقتصادنا.
تغيير سعر صرف الريال مقابل الدولار فيه منافع اقتصادية عديدة حان وقت قطافها.