جامعة الفيصل.. نموذج للمسؤولية الاجتماعية يحتذى به

<p><a href="mailto:[email protected]">t-hafiz@hotmail.com</a></p>

أكدت كلمة الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام لدى رعايته انطلاقة الملتقى الأول للمسؤولية الاجتماعية بتاريخ 29/5/2006، تحت شعار (إلزام والتزام)، أهمية العمل التطوعي الاجتماعي بمفهومه العلمي والعملي العصري والحديث، الذي يحاكي مستجدات العصر ويلبي حاجات المجتمع الفعلية والحقيقية المختلفة، بعيدا كل البعد عن الأسلوب النمطي والتقليدي الذي تعود عليه أفراد المجتمع في الماضي، كما أكدت الكلمة من وجهة نظري، أهمية أن يأخذ العمل التطوعي الاجتماعي البعد التنموي وأن يركز على شمولية المنفعة والفائدة الاجتماعية لجميع أفراد المجتمع دون استثناء، مما يتطلب عدم تركيز العمل التطوعي الاجتماعي على إشباع حاجات ورغبات المجتمع في اتجاه واحد ضيق ومحدود، كالتوجه مثلا وكما حدث في بلادنا في الماضي بالتوسع في بناء المساجد في الأحياء المختلفة، وفق أسلوب تقليدي دأب على اتباعه معظم أفراد المجتمع، دونما وجود دراسة ميدانية مصاحبة لاحتياجات الحي من المساجد، مما نتج عنه تزاحم المساجد في الأحياء وتقاربها من بعضها البعض، للحد الذي أصبحت المسافة التي تفصل بين المسجد والآخر لا تكاد تتعدى بضعة أمتار محدودة، مما أدى إلى اختلاط أصوات المؤذنين والأئمة مع بعضها البعض، ولعل الأهم من ذلك وذاك، أن أغلب مساجد الأحياء في معظم أوقات الصلوات كانت تبدو وكأنها خالية من المصلين بسبب تعدد المساجد وتقابلها بعضها مع بعض، كما أن ذلك التزاحم في بناء المساجد، قد تسبب في عدم التوزيع العادل والمتكافئ للموارد الاقتصادية والمالية المتاحة للصرف على بناء المساجد، حيث إن ذلك التوسع غير المدروس في بناء المساجد بحي ما كان على حساب الأحياء الأخرى التي أصبحت تعاني من عدم توافر المساجد فيها بالعدد المطلوب، الذي يعكس الحاجة الفعلية للحي من المساجد، كما أن ذلك قد تسبب في تواضع وضعف التجهيزات الفنية والتقنية لعدد كبير من المساجد بعدد كبير من الأحياء في بلادنا.
باعتقادي أن نجاح المسؤولية الاجتماعية وتحقيقها للأهداف المنشودة منها، يتطلب أولا وقبل أي شيء المعرفة التامة والدراية الكاملة بما في ذلك الدراسة المتعمقة لحاجات المجتمع المختلفة، كما أن نجاح العمل التطوعي الاجتماعي يتطلب أيضا المقارنة والمفاضلة بين البدائل والاحتياجات الاجتماعية المختلفة، واختيار الأهم من بينها، بالشكل الذي يلامس الحاجات الفعلية والأكثر ضرورة لأفراد المجتمع، إضافة إلى أن نجاح العمل التطوعي الخيري من وجهة نظري، يتطلب أن يتسم العمل الخيري بالديمومة والإبداع والابتكار، بما في ذلك التوزيع الأمثل للموارد الاقتصادية المتاحة، بالشكل الذي يكفل توزيعها وإنفاقها، بجميع اتجاهات ومناحي وأنشطة الحياة المختلفة، الدينية منها كبناء المساجد، والدنيوية منها كبناء المدارس والجامعات والمراكز الصحية والمستشفيات وخلافها.
لعل من بين أبرز نماذج المسؤولية الاجتماعية التي حدثت في بلادنا أخيرا، وضع حجر الأساس لبناء جامعة الفيصل في احتفالية كبيرة في مدينة الرياض بتاريخ 30/5/2006، التي يأتي إنشاؤها امتدادا واستكمالا لمشروعات مؤسسة الملك فيصل الخيرية، حيث سبق اعتماد بناء ذلك المشروع، تشييد وإنشاء العديد من المشاريع التنموية العديدة في المجالات التعليمية المختلفة، التي لعل من بين أبرزها وأهمها، إنشاء مدارس الملك فيصل، ثم كلية عفت الأهلية للبنات في جدة، فكليتي الأمير سلطان للسياحة والإدارة في كل من أبها وجدة.
ولعل ما يميز مشروع جامعة الفيصل الخيري عن غيره من المشروعات المشابهة له، أنه يعد أول مشروع لجامعة أهلية غير ربحية تقام في المملكة العربية السعودية، يحاكي أحدث التجهيزات العلمية المتوافرة بمؤسسات تعليمية معروفة ومرموقة على مستوى العالم، في العديد من مجالات العلوم التطبيقية وإدارة التقنية والهندسة والطب والبحث العلمي، كما أن لعل ما يميز ذلك المشروع التعليمي أنه انتهج لنفسه بيئة تعليمية فريدة، ستركز على إعداد الكوادر البشرية الشابة، التي ستكون بإذن الله مؤهلة وقادرة في المستقبل القريب جدا، على تولي مواقع ومسؤوليات قيادية على مستوى القطاع العام والخاص، لتسهم بفاعلية تامة في تلبية احتياجات التنمية التي تعيشها البلاد، كما أن هذا المشروع قد تميز بتوجهه بتشجيع البحوث العلمية الرائدة في مجال العلوم والتخصصات المختلفة، وتعميق معرفة الإبداع والابتكار، بما يتوافق مع طموحات وتطلعات المستوى الحضاري الذي تعيشه السعودية.
ولعلي استشهد بنموذج آخر في إطار المسؤولية الاجتماعية الذي قد تميز أيضا بالابتكار والإبداع، هو مشروع بنك الجزيرة الخيري، الذي أطلقه البنك في الرياض بتايخ 5/6/2006، تحت شعار "خير الجزيرة لأهل الجزيرة"، والذي يتمثل في مساهمة البنك بمبلغ 100 مليون ريال لتطوير برامج متميزة موجهة لأعمال خيرية وتنموية داخل المجتمع السعودي، والذي سينفق وفق آلية وخطة عمل مدروسة ومرسومة مسبقا، ستركز على الحاجات الفعلية والحقيقية للمجتمع التي من بين أهمها وأبرزها، فرص تدريب الشباب والشابات، ودعم المواهب.
ولعلي أختم مقالي هذا، بالدعوة لاستحداث هيئة عليا لتنظيم التبرعات الخيرية في ببلادنا، بحيث يكون من بين مهامها الرئيسية والأساسية، إدارة التبرعات وتوزيعها وفق احتياجات المجتمع وأولوياته، بالشكل العادل والمتوازن والمتكافئ، الذي يكفل الاستخدام والتوزيع الأمثل للموارد المالية المتاحة، ويحقق في الوقت نفسه المصلحة العامة وشمولية الفائدة لجميع أفراد المجتمع دون استثناء، وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي