شكرا هيئة سوق المال.. وفي انتظار المزيد
<a href="mailto:[email protected]">Fax_2752269@yahoo.com</a>
حسنا فعلت هيئة السوق المالية عندما وقعت عقدا بنحو ثلاثة ملايين ريال مع الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين لتمويل دراسة تتعلق بمراجعة معايير المحاسبة السعودية الصادرة عن الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين، ومقارنتها بالمعايير الدولية، إضافة إلى إجراء دراسة تفصيلية عن واقع الإفصاح الفعلي للشركات المساهمة المدرجة في السوق المالية في السعودية، لأن ذلك يصب في تحقيق أهداف هيئة سوق المال المتمثلة في رفع مستوى الإفصاح والشفافية لدى الشركات المدرجة في السوق، كما أنها تساعد على سبر أوجه الشبه والاختلاف بين المعايير السعودية والدولية، ولا شك أن هذه الخطوة تعبر بشكل واضح عن رغبة هيئة السوق المالية في التعاون مع كل الجهات ذات العلاقة بعملها من أجل تحقيق أهدافها المهمة.
إلا أنني أرجو من الهيئتين الموقرتين التعاون في مواضيع أخرى على قدر كبير من الأهمية ولها تأثير بالغ في أداء الشركات المالي، وأعني بذلك جودة الأداء المهني للمراجعين الذين توكل لهم مراجعة البيانات المالية للشركات المدرجة في السوق والتقرير بشأنها لأن ذلك يعتبر صمام الأمان لمستقبلها وللاقتصاد الوطني في مجمله، فكلنا يعلم عن قضايا التقصير أو التواطؤ التي حصلت في بعض الأسواق العالمية، ومنها الولايات المتحدة، بين المراجعين وإدارات بعض الشركات وأدت إلى حدوث أزمات اقتصادية كبرى.
ولعلي هنا أوضح للقراء الكرام أن المساهمين، وهم ملاك الأسهم، هم مَن يختار المراجع وهم من يحدد أتعابه عن طريق التصويت في الجمعية العمومية، وعندما يقومون بذلك فإنهم يرغبون في أن تقوم جهة محايدة وذات تأهيل مهني عال بالحكم على عدالة القوائم المالية التي تعدها إدارة الشركة، كما أن هناك فئات أخرى تستفيد من تقرير المراجع مثل المقرضين والمستثمرين والموردين والموظفين في الشركة، وأيضا الهيئات الحكومية التي تشرف على أنشطة الشركات مثل هيئة سوق المال ووزارة التجارة والصناعة.
وعندما يتهاون المراجع في القيام بعمله الذي حددته معايير المراجعة الصادرة عن الهيئة السعودية للمحاسبين فإنه لا يخاطر بسمعته فقط، بل يخاطر بمستقبل الشركة ومساهميها. من هنا شددت معايير المراجعة على أن تتوافر في مراجع الحسابات صفات مهمة، مثل: الاستقلال والموضوعية والحياد والتأهيل المهني الكافي، وأن يقوم ببذل العناية المهنية الواجبة التي من ضمنها تقييم نظام الرقابة الداخلية وجمع الأدلة والقرائن التي تؤيد رأيه في عدالة القوائم المالية من عدمها واتساقها أو عدم مخالفتها نظام الشركات والنظام الأساسي للشركة.
وهيئة المحاسبين عندما أصدرت تلك المعايير تعلم أن تطبيقها يتطلب مراقبة ومتابعة لمدى التزام المراجعين بها، وهذا بدوره يتطلب تقييم أدائهم المهني بشكل مستمر، لذا فقد شكلت لجنة تحت اسم لجنة مراقبة جودة الأداء المهني، تعتبر من أهم الأذرع العاملة في الهيئة من أجل تحقيق درجة معقولة من الاقتناع بالالتزام بالمعايير المهنية والأنظمة ذات العلاقة التي تحكم تقديم الخدمات المهنية للعملاء، إلا أن شح مواردها المالية للأسف، وهذا ما يعلمه كل من له علاقة بمهنة المحاسبة والمراجعة، أسهم في عدم قيام تلك اللجنة بعملها على الوجه الذي يطمح إليه المهتمون لأن تحقيق ذلك يتطلب وجود خبراء متفرغين على مستوى عال من التأهيل، وهؤلاء لن تستطيع الهيئة توفيرهم إلا إذا توافرت تكاليفهم.
من هنا أناشد كلا من الهيئتين باستمرار التعاون بينهما في برنامج مراقبة جودة الأداء المهني لمكاتب المراجعة التي تدقق القوائم المالية للشركات المساهمة المدرجة في سوق المال لما لذلك من أهمية وأولوية ملحة، ليس للشركات ومساهميها فقط، بل لعدة أطراف، منها: مكاتب المراجعة ذاتها التي ستراجع بالتأكيد المستوى المتدني للأتعاب التي تتقاضاها اليوم من الشركات المساهمة والمقرضون والمستشارون الماليون المرخصون من قبل هيئة السوق والموردين وأخيرا الاقتصاد الوطني. فالمستثمر في سوق المال يعتمد على القوائم المالية في تحديد خياراته وقراراته الاستثمارية، والمستشار المالي الذي يقوم بتحديد علاوة الإصدار هو الآخر يعتمد عليها وكذلك البنك المقرض. من هنا تأتي أهمية أن تعكس تلك القوائم ـ بعدل ـ المركز المالي للشركة ونتائج أعمالها، وأن يكون عرضها والإفصاح عن جميع المعلومات المرفقة بها يتفقان مع متطلبات معيار العرض والإفصاح العام الذي نفاخر ـ نحن السعوديين ـ بأننا أول مَن أصدره على مستوى الشرق الأوسط، بل إننا لا نزال نفاخر بتجربة المملكة وإنجازاتها في مجال تنظيم مهنة المحاسبة والمراجعة التي تعتبر ـ بحق ـ من أكثر دول العالم تنظيماً وترتيباً، إلا أنها تحتاج إلى بذل المزيد من الجهود لمراقبة مدى الالتزام بها.
وحتى أكون أكثر صراحة ووضوحا سأضرب مثلا بسيطا لتبيان أهمية ما يقوم به المراجعون من أعمال وتأثيرها في المساهمين بالذات، فعندما يقوم مراجع ما يتقاضى أتعابا تصل قيمتها إلى 150 ألف ريال، بمراجعة شركة مساهمة والتقرير عن نتائجها المالية، فإنه سيبذل جهدا يعادل المبلغ الذي سيتقاضاه، وإذا افترضنا أن تلك الشركة يبلغ رأسمالها 500 مليون ورغبت في رفع رأس مالها فإن المستشار المالي بالتأكيد سيعتمد على القوائم المالية المعتمدة من قبل مراجع الحسابات، لذا لن نستغرب أن تتحول قيمة علاوة الإصدار الإجمالية من 200 مليون ريال إلى 500 مليون ريال إذا أهمل أو تقاعس مراجع الحسابات في أداء عمله حسب الأصول المرعية التي حددتها معايير المراجعة المعتمدة، من هنا يكمن الخطر ومن هنا أيضا تتبين لنا ضآلة أي مبلغ يُصرف على برنامج مراقبة جودة الأداء المهني.
ولعلي أخيرا أوجّه رسالة لمعالي وزير المالية أشدد فيها على أهمية دعم الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين عن طريق منح غير مستردة مالية كانت أو عينية، تعينها على أداء رسالتها على الوجه الأكمل، لاسيما أن مصروفاتها محدودة جدا قياساً بالهيئات الأخرى، ومع ذلك فإن إيراداتها تقتصر اليوم على رسوم الدورات التدريبية واختبار زمالة المحاسبين ومصادر أخرى لا تغطي متطلبات أعمالها المهمة للاقتصاد الوطني.