شراء الشركات أسهمها.. توقيت غير المناسب
<a href="mailto:[email protected]">amsultan@hotmail.com</a>
ذكر عدد من الصحف السعودية أن هيئة السوق المالية رفعت إلى مجلس الوزراء بشأن السماح للشركات المساهمة المدرجة في السوق المالية بإعادة شراء أسهمها بنسبة لا تتجاوز 10 في المائة. ونظام الشركات السعودية الحالي يجيز للشركات شراء أسهمها بهدف تخفيض رأس المال فقط، بينما المقترح هو أن يصبح بإمكان الشركات المساهمة إعادة شراء أسهمها والاحتفاظ بها فترة من الوقت ثم بيعها من جديد، وتحدد قوانين أسواق المال عادة المدة التي يجوز احتفاظ الشركة خلالها بتلك الأسهم، التي غالبا ما تكون سنة واحدة من تاريخ اكتمال عملية إعادة الشراء.
تزايد الدعوات في الدول الخليجية للسماح للشركات بإعادة شراء أسهمها وتسهيل إجراءات ذلك، في وقت تعاني فيه أسواقها المالية تراجعا حادا، يظهر أن الهدف الحقيقي من هذه الدعوات هو فتح المجال أمام الشركات لدعم أسهمها في السوق المالية، وهو ما يتعارض تماما مع قوانين سوق المال في دول عديدة في العالم، التي تشترط قبل السماح لشركة ما بإعادة شراء أسهمها حصولها على تأكيدات بعدم وجود تأثير لذلك في سعر سهم الشركة في السوق المالية. على سبيل المثال، قانون سوق المال في عُمان يشترط للموافقة على قيام شركة ما بإعادة شراء أسهمها، إرفاق خطة توضح الأسباب الداعية إلى ذلك، وجدواه للشركة والمساهمين، وألا يحتمل أن يترتب على ذلك أي تقلبات في سعر السهم.
لذا فإنه من غير المقبول أن تهدف عملية إعادة شراء الشركات أسهمها إلى إحداث تأثير إيجابي في سعر سهم الشركة في السوق المالية من خلال الإخلال بتوازن العرض والطلب في السوق، وهو أمل وهدف معظم الداعين إلى ذلك في أسواق المال الخليجية حاليا، وهي عملية تتم عادة لتحقيق أغراض أخرى مختلفة تماما، أهمها التالي:
1- أن تكون الشركة قد رفعت رأسمالها في فترة سابقة لتمويل مشاريع استثنائية تحقق الآن عوائد مجزية، أو أن تكون لدى الشركة فوائض نقدية متراكمة تزيد كثيرا على حاجاتها التمويلية. الشركة يمكن لها إفادة حملة أسهمها من هذا الوضع الإيجابي برفع معدلات توزيعاتها النقدية، خيار آخر هو تخفيض رأسمالها من خلال إعادة شراء جزء من أسهمها وإعدامها، ما يرفع عائد ما تبقى منها ويحسن نسبها المالية.
2- في حال حدوث تراجع كبير غير مبرر في أسهم شركة ما فإنها قد تقرر إعادة شراء جزء من أسهمها، ليس بدافع حمايتها من التراجع، وإنما لأنها ترى أن تقييم السوق المالية لها متدن بصورة مبالغ فيها، ولا يتناسب مع الأداء الجيد المتوقع للشركة خلال المرحلة المقبلة. ما قد يجعل قيام الشركة باستثمار جزء من فوائضها النقدية في إعادة شراء أسهمها، خيارا استثماريا مناسبا يحقق عائدا أفضل من البدائل الاستثمارية الأخرى التي أمامها.
3- سبب آخر أقل جاذبية، هو أن تكون النسب المالية لأسهم الشركة، مكرر الربحية مثلا، تعاني من ترد واضح بسبب تراجع في أداء الشركة، أو زيادات كبيرة متكررة في رأس المال، أو منح مبالغ فيه لأسهم مجانية للعاملين، تخفيض رأس المال بإعادة شراء جزء من الأسهم يرفع نسبها المالية.
4- أحيانا قد تضطر شركة ما إلى إعادة شراء أسهمها لمقاومة محاولة استيلاء بالقوة من قبل مستثمرين، فمن خلال شراء أسهمها المعروضة في السوق تزيد من صعوبة تملك هؤلاء المستثمرين نسبة كافية من أسهم الشركة، ما يحد من قدرتهم على السيطرة عليها.
إلا أنه حتى عندما تكون هناك مبررات وجيهة لعملية إعادة الشراء وليست بغرض التلاعب في توازن العرض والطلب في السوق، فإن لها تأثيرات سلبية في أداء الشركة وقدرتها على تسيير أعمالها. فعملية إعادة الشراء تحد من الموارد النقدية المتاحة للشركة، في وقت قد تكون في حاجة إلى تمويل عمليات توسع وتطوير أعمالها، ما يضطرها إلى الاقتراض بأسعار فائدة قد تزيد كثيرا على عوائدها من أسهمها التي أعادت شراءها، ما يؤثر سلبا في ربحيتها والقيمة العادلة لأسهمها مستقبلا. وإعادة شراء الشركة أسهمها تجعل من غير الممكن رفع رأسمالها ما بقيت محتفظة بتلك السهم، ما قد يعوق نموها المستقبلي، ويحد من قدرتها على اغتنام فرص استثمارية جديدة يمكن تمويلها من خلال عمليات رفع لرأس المال. أيضا فإن اعتبار الشركة إعادة شرائها أسهمها فرصة استثمارية جيدة، ليست ميزة بالضرورة، وإنما قد تكون مؤشرا على فشل إدارة الشركة وعدم امتلاكها أفكارا جديدة تطور أعمالها وتخلق فرصا استثمارية جديدة.
هذه السلبيات في الواقع تصبح أعمق وأشد تأثيرا، عندما يكون هدف إعادة الشراء في الأساس مجرد محاولة دعم سعر سهم الشركة في السوق، أو منعه من تحقيق مزيد من التراجع. فعلاوة على كل السلبيات السابقة فإنه يخدم من يضارب في المدى القصير على أسهم الشركة، ويتسبب بالتالي في زيادة حدة المضاربات في السوق والتشجيع عليها، وهي مشكلة متعمقة في أسواق المال الخليجية وليست بحاجة إلى زيادة حدتها. في المقابل تلحق الضرر بالمستثمرين في أسهم الشركة، فمصلحتهم في تأجيل قرار الشراء إن كانت تلك الأسهم ستصبح متاحة بسعر أقل لاحقا، نظرا لأن حدوث تراجع إضافي في سعر السهم بعد إعادة الشراء سيتسبب في خسائر للشركة تضر بربحيتها وسعر سهمها على المدى الطويل. وإعادة الشراء بهدف التأثير في سعر السهم في السوق تضليل متعمد للمتداولين تفقد السوق المالية مصداقيتها وتزيد من حدة تقلباتها.
ما يجعل من المناسب عدم الاندفاع نحو اتخاذ خطوات أهدافها قصيرة المدى نتائجها عكسية على المدى الطويل، والتركيز عوضا عن ذلك على اتخاذ خطوات تخدم السوق في المدى الطويل، دون اعتبار لتأثيرات ذلك في أداء السوق في المدى القصير، ما يسهم في زيادة كفاءتها وشفافيتها وعدالة تعاملاتها واستقرارها.