معدلات التضخم في السعودية بين أسعار النفط وانخفاض الدولار

<a href="mailto:[email protected]">a@aalhajji.com</a>

هل ارتفعت معدلات التضخم في السعودية في الأشهر الأخيرة؟ بغض النظر عن الجواب، ما أسباب تغير معدلات التضخم في السعودية؟ ما دور أسعار النفط؟ ما دور انخفاض الدولار؟ هل معدلات التضخم الرسمية هي فعلاً ما يشعر به المستهلك؟

معدلات التضخم الحقيقية أعلى من الرسمية
تشير البيانات الحكومية الرسمية إلى ارتفاع مستمر، لكنه بسيط، في معدلات التضخم منذ نهاية عام 2002. كما تشير إلى ارتفاع هذه المعدلات بشكل أكبر من ذي قبل خلال الأشهر الستة الأخيرة. ولاشك أن القرار الملكي بتخفيض أسعار البنزين أسهم في تخفيض معدلات التضخم في الشهر الأخير عما كانت ستكون عليه لو لم يتم تخفيض أسعار البنزين.
معدلات التضخم أكبر مما يتم الإعلان عنه رسمياً لأن طريقة حساب التضخم، وهي الطريقة الشائعة في أغلب دول العالم، لا تتضمن مستوى جودة السلعة المستهلكة. هناك أدلة كثيرة على استمرار تدهور نوعية البضائع المستوردة، سواء بسبب الغش التجاري أو بسبب ازدياد الاستيراد من الصين و الدول المجاورة لها (وينطبق الأمر نفسه على نوعية الخدمات التي نحصل عليها من العمالة المستوردة حيث تم البحث خلال السنوات العشرين الماضية عن العمالة الأرخص باستمرار). فإذا كان التضخم في الفترات الأخيرة بحدود 2.5 سنوياً، فإن التضخم الحقيقي أكبر من ذلك بسبب رداءة المنتجات المستهلكة. فإذا اشترى المستهلك حذاء بـ 100 ريال في العام الماضي يستهلك خلال عام، ثم اشترى بعد ذلك حذاء بـ 50 ريالا يستهلك خلال ثلاثة أشهر، فإن الأرقام الرسمية ستوضح انخفاضاً في أسعار الأحذية، مع أن تكاليف لبس الأحذية بالنسبة للفرد خلال سنة ارتفعت من 100 ريال في العام الماضي إلى 200 ريال في العام الحالي (الآن يحتاج إلى شراء أربعة أحذية من النوعية الرديئة بدلاً من حذاء واحد من النوعية الجيدة). لذلك فإن معدلات التضخم الحقيقية ترتفع كلما انخفضت نوعية السلع المباعة في الأسواق. الحقيقة المرة أن أغلب المستهلكين يقدمون على شراء هذه السلع الرخيصة ظناً منهم أنها تسهم في زيادة التوفير! لقد أسهمت زيادة الاستيراد من الصين في تخفيض معدلات التضخم الرسمية، ولكنها رفعت معدلات التضخم الحقيقية.
يرى البعض أن اعتبار نوعية البضائع والخدمات في حساب معدلات التضخم قد يؤدي إلى انخفاض معدلات التضخم إذا ارتفعت نوعية المنتجات أو تحسنت التكنولوجيا. فالحاسوب الذي نشتريه الآن ليس أرخص فحسب، بل أفضل بمئات المرات من الحاسوب الذي اشتريناه منذ عشر سنوات مضت. هذه نتيجة صحيحة، لكن هناك أدلة كثيرة على انحطاط نوعية البضائع بشكل عام خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي يفسر شراء الكثير من السعوديين لسلع معينة من الخارج.

أسباب ارتفاع معدلات التضخم
اشتهرت السعودية تاريخيا بانخفاض معدلات التضخم فيها. ويعود ذلك إلى أمور عدة أهمها السياسات المالية التي تستهدف القضاء على التضخم. رغم هذه السياسات المالية المتقشفة، ارتفعت معدلات التضخم في الفترات الأخيرة بسبب زيادة السيولة من جهة، وانخفاض قيمة الدولار من جهة أخرى.
ارتفعت السيولة لعدة أسباب أهمها زيادة الإنفاق الحكومي بسبب ارتفاع إيرادات النفط، والطفرة في سوق الأسهم التي جذبت أموالاً كانت في الخارج، أو منعت الأموال الموجودة من الرحيل إلى دول أخرى. ويرى بعض الخبراء أن احتمال تجميد أموال بعض السعوديين في أمريكا وأوروبا أدى إلى تحويل هذه الأموال إلى السعودية. تسهم زيادة السيولة في كثير من الأحيان في رفع معدلات التضخم، خاصة إذا كانت معدلات الزيادة أعلى من معدلات النمو الاقتصادي. وغالباً ما ترتفع معدلات التضخم فجأة إذا كان الاقتصاد ينمو، وقترب الاقتصاد من طاقته الاستيعابية الكاملة. في هذه الحالة يصعب على البنوك المركزية السيطرة على التضخم لأن اتخاذ أي سياسات انكماشية لكبح جماح التضخم قد تخفف من معدلات النمو الاقتصادي. هناك أدلة على زيادة كبيرة في السيولة, وأدلة أخرى على أن الاقتصاد السعودي وصل إلى أقصى طاقته الاستيعابية على المدى القصير، لذلك فإن التضخم نتيجة حتمية لهذه الحالة. ويدل على ذلك أن التضخم في السعودية ارتبط تاريخياً بانخفاض الدولار، إلا في الفترات الأخيرة التي ارتفعت فيها السيولة بشكل كبير.
يوضح الشكل البياني المرفق العلاقة بين الرقم القياسي لسعر صرف الدولار و التضخم في السعودية.
<img border="0" src="http://www.aleqt.com/picarchive/rai1.jpg" width="499" height="300" align="center"> ارتفاع الدولار يخفض التضخم وانخفاضه يقلل من مستويات التضخم. إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تغيرات بسيطة في قيمة الدولار في وقت ارتفعت فيه معدلات التضخم بشكل كبير نسبياً، الأمر الذي يوضح أن ارتفاع أسعار النفط وغيره من العوامل التي زادت السيولة مثل زيادة الإنفاق الحكومي أسهمت في رفع معدلات التضخم.
ذكر سابقاً أن التضخم ارتبط تاريخيا بانخفاض الدولار، لماذا الدولار بالذات؟ لأن النفط يسعر ويباع بالدولار، وبالتالي فإن عائدات النفط تكون بالدولار، إضافة إلى ذلك فإن الريال مرتبط بالدولار. بما أن السعودية تستورد من دول مختلفة ارتفعت عملات أغلبها مقابل الدولار، فإن تكاليف استيراد السلع والخدمات ارتفعت، الأمر الذي يسهم في رفع الأسعار في الداخل، وهذا هو التضخم. تستورد السعودية نحو نصف وارداتها باليورو والين، وسعر كلتا العملتين بدأ بالارتفاع منذ عام 2002. فعلى سبيل المثال أدى انخفاض الدولار إلى انخفاض الريال السعودي مقابل اليورو حيث إن شراء اليورو كان يكلف 3.25 ريال في بداية عام 2002، أما الآن فالمواطن السعودي يحتاج إلى نحو 4.72 ريال لشراء يورو واحد. زجاجة العطر الفرنسي التي كان ومازال سعرها 50 يورو تكلف الآن 236 ريالا، بينما كانت تكلف عام 2002 نحو 162 ريال فقط. الفرق بين السعرين هو التضخم الناتج عن انخفاض الدولار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي