الحضارم نموذجاً . . .
<a href="mailto:[email protected]">falkassim@fincorpgroup.com</a>
مساعدة الشباب في بدء أنشطتهم وأعمالهم التجارية والمهنية ودعمهم معنوياً وفكرياً وتطبيقياً، أمر مهم ومهمة جليلة ليست من مهام الحكومة فقط، ولكن أعتقد أنها واجب على كل رجل أعمال، فإيجاد جيل من شباب الأعمال الواعد أحد مقومات نهضة الأمة، حيث الاقتصاد والتجارة تقود العالم، والنفوذ انتقل من السياسيين إلى التجار وأصحاب المال.
أخذت اللجنة الوطنية لشباب الأعمال هذه المهمة على عاتقها، حيث تم الاتفاق على رسم برنامج لإرشاد شباب الأعمال، وبدأ فريق العمل في وضع رؤية وإطار عام لبرنامج الإرشاد ودور اللجنة فيه، وللأسف ضاع الفريق في التفاصيل، كنت أذكر الإخوان في الفريق دائما بأن نجاح البرنامج يكمن في بساطته وسهولة تطبيقه مع فعاليته، لكن هذه المعادلة الصعبة لم تكن سهلة المنال، واستعانت اللجنة بالخبراء في الإرشاد وتوجهنا إلى النموذج الغربي للإرشاد، ولكن كل ذلك لم يوجد الاتفاق بين فريق العمل على نموذج موحد، وما زال النقاش قائماً للتوصل إلى نموذج فعال وسهل التطبيق.
في رأيي أن أنجح برنامج لإرشاد شباب الأعمال سيقوم على أسس من قيمنا النابعة من ديننا كمسلمين، فالمسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً، والمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له باقي الأعضاء بالسهر والحمى، وحق المسلم على أخيه النصح له عند طلب النصيحة.. لن نجد أسسا للإرشاد أكثر تعبيراً من هذه القيم والقواعد، وهي قواعد نحتاج إلى أن نذكر أنفسنا بها مراراً وتكراراً.
البرنامج الإرشادي لشباب الأعمال الذي يمكن البناء عليه، وفي رأيي يعتبر أفضل برنامج عملي للإرشاد، هو ما طوره الحضارم على مر الزمن، فإخواننا الحضارم لديهم من حس التعاون والفزعة بعضهم مع بعض ما يتجاوز التبرع ليصبح جزءا من حضارة وتقاليد وعادات، وبالرغم من أن من لم يفعل ذلك يعتبر خارجاً عن المألوف إلا أنه يندر أن تجد من يغرد خارج السرب.
الحضارم هم من أدخل الإسلام في شرق آسيا بأخلاقهم التجارية الأصيلة وتقيدهم بقيم الإسلام الحقيقية في التعامل مع الغير، فدخل الإسلام إندونيسيا مع التجارة وغزاها إلى باقي شرق آسيا، وترحل الحضارم إلى جنوب إفريقيا وغربها، ونقلوا معهم أخلاقهم وقيمهم التي تعكس صفاء دينهم وبها أسلم من كتب لهم الهداية هناك أيضاً، لقد نقل هؤلاء صفاء الإسلام وشفافيته وعدالته وسموه إلى الآخرين عن طريق التجارة، حيث كان الترحال جزءا من الحضارة الحضرمية.
الطريف في الأمر أن هؤلاء القلة من المهاجرين أصبحوا من أنجح الناس في البلاد التي هاجروا إليها، فتجد منهم كبار التجار والوجهاء والصناعيين وحتى الوزراء، ونجاحهم في بلادنا (خاصة السابقين منهم) ملموس وملحوظ وعلى الأخص في مجال التجارة، فكثير من البيوت التجارية حضرمية الأصل والمنشأ منها على سبيل المثال العمودي وبن لادن وبقشان وبن محفوظ وغيرهم الكثير.
يحل الحضرمي في أي بقعة في العالم فيعلم عنه حضرمي مهاجر استقر في نفس البلد فيستضيفه ولا يرتاح أو يطمئن حتى يبلغ مبتغاه، وإن كان مهاجراً جديداً تبناه، فأسكنه في مسكنه أو رتب له مسكناً، ثم بحث له عن عمل، أو أقرضه مبلغاً من المال ودفعه إلى السوق، وإن كان تاجراً عرفه بالتجار الآخرين، ولا يكتفي بذلك بل يكفله ويضمنه.
برنامج الإرشاد لدى الحضارم بسيط سهل ممتنع، فالتاجر الحضرمي يدعم شباب الأعمال بتعليمه أصول الصنعة وأخلاق التجار والتواضع وخدمة الزبون وحب العمل والصبر وكيفية التعامل مع المال وصرفه.. إلخ، ويقدم له المشورة، كما يقوم اعوجاجه الفني والعلمي والأخلاقي وهو الأهم، كما أنه يقدم الشباب للآخرين بعد التأكد من بلوغه مرحلة مناسبة من الاعتماد على النفس وتجاوز مرحلة التعلم الأولى.
مهما كان برنامج الإرشاد قويا وفعالاً، حتى لو كان حضرمياً، فإنه لن يؤتي ثماره ما لم يكن الشاب طالب الإرشاد حريصاً ومجداً ومخلصاً في طلبه للإرشاد ولديه الحد الأدنى من المعرفة والعلم أو حب التعلم والجلد في طلبه، كما يجب أن يكون هناك قبول بين المرشد وطالب الإرشاد، وشباب الأعمال مطالبون ببذل الجهد في شحذ رجال الإعمال ليكونوا مرشدين لهم، والفائدة آنذاك مزدوجة لشباب الأعمال حيث تنمو ثقافة الشاب على منهج صحيح وسلوك مستقيم، والفائدة الأخرى للوطن حيث تقل الأخطاء وتوفر الجهود المهدرة وتنخفض تكاليف وخسائر التجارب السلبية لشباب الأعمال، الخاسر الوحيد من هذا المشروع هم الخطاطون لانخفاض الطلب على لوحات " المحل للتقبيل ".
في رأيي أن أنجح برنامج للإرشاد يكمن في تبني رجال الأعمال لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "، وكفى به مدرسة للإرشاد والتعليم والمشورة والمحبة.