عقد المعلمين والمعلمات في المدارس الأهلية .. تحفيز للسعودة أم تكريس للبطالة؟!
استوقفني طويلا خبر نشرته الصحف المحلية الأسبوع الماضي حول بدء العمل بالعقد الموحد للمعلمين والمعلمات في المدارس الأهلية الذي يقضي بتحديد راتب مقداره 2300 ريال للتخصصات التربوية و2100 ريال لغير التربوية, وهو العقد الذي كثر وطال الجدل حوله على إثر اعتراضات سابقة من المدارس الأهلية مبنية على ارتفاع هذه الرواتب, من وجهة نظرهم, وأن العمل بها سيؤدي بالمدارس إلى الخسارة والإفلاس!! حيث قامت لجنة من وزارة التربية والتعليم ووزارة العمل ومجلس الغرف بدراسته في ضوء ما أثير حوله, واستغرقت الدراسة عدة سنوات لتخرج بالنتيجة المذكورة التي اعتبرها المعلمون والمعلمات مخيبة للآمال ومحبطة للتطلعات التي كانوا مشدودين إليها طيلة الفترة الماضية.
لماذا الفروق الشاسعة؟!
في وزارة التربية والتعليم, وطبقا للقواعد النظامية المعمول بها, وتأسيسا على سلم الرواتب في الكادر التعليمي فإن المستجدين من المعلمين والمعلمات يعينون براتب لا يقل عن خمسة آلاف ريال, في حال توافر الوظائف, ومع افتراض أن الوظائف لا تتوافر بالأعداد الكافية, وأن هناك مَن يقبل التوظف براتب أقل, فإن ذلك إن حصل فإنما يقبله البعض في انتظار فرصة للتعيين الرسمي, أو بدافع وجود الحوافز التشجيعية المعنوية مثل الشعور بالاستقرار, والحصول على دورات تدريبية أو التعيين في المناطق المطلوبة وساعات الدوام ونصاب الحصص, الذي يقل عن مثيله في المدارس الأهلية, إضافة إلى فرصة اكتساب المهارات والخبرات المهنية, ووجود المكتبات, والإفادة المعنوية والمادية أحيانا من الفرص والمزايا التي يقدمها القطاع الخاص لمنسوبي وزارة التربية, مثل التأمين والقروض وعروض التقسيط, وغيرها, وهو ما لا يتوافر في المدارس الأهلية, التي تحاول أخذ حقها من المعلم كاملا, بزيادة نصاب الحصص, وساعات الدوام!
وطبقا لهذه المعادلة, وللفروق الكبيرة بين الوضعين, فإن أي منصف سيرى أن المرتبات في المدارس الأهلية ينبغي ألا تقل عنها في التعليم العلم, بيد أن هذا الحلم يبدو بعيد المنال في ظل ما نراه من مقاومة شديدة لمشروع توطين وظائف التعليم في المدارس الأهلية, رغم ما يراه المواطن من زيادة في رسوم هذه المدارس سنويا, إلى حد يجعل بعضها يضاهي رسوم الكليات الأهلية.
وغني عن البيان أنه لا يصح الاحتجاج أو المقارنة بين الرواتب التي يقتنع بها المعلمون الأجانب, وما يطلبه المعلمون السعوديون, لاختلاف تكاليف المعيشة وحجم الالتزامات الأسرية والاجتماعية, فضلا عن أن فئة ممن تستقطبهم المدارس الأهلية يأتون من داخل المملكة من المقيمين والمقيمات والمحارم, الذين يقبلون بأي مرتبات تعرض عليهم!
العقد لا يشجع على السعودة!!
إن التساؤل الذي يطرح نفسه تلقائيا هو: هل يكفي هذا المرتب الذي يقل عن نصف المرتب في الكادر الحكومي, لإعالة أسرة, أو حتى لتغطية المستلزمات الفردية لمعلمة تصرف ما يقرب من نصفه لسيارة أجرة تقلها إلى المدرسة ثم إلى المنزل؟! وربما تصرف النصف الآخر كراتب لعاملة منزلية ترعى شؤون منزلها, في وقت يتأزم فيه الحصول على هذه العاملة إلا براتب يصل إلى 1500 ريال إذا لم تكن على كفالة مشغلها, وذلك في وقت أصبح فيه قطاع العمالة المنزلية مجال متاجرة واستغلال, ومتى ما وصلت تكلفة هذه الفئة إلى مرتبات الجامعيين, أو قريبا منها, فإن هذا يعد قلبا للمفاهيم, وانتكاسة لرسالة التعليم!
أما التساؤل الآخر فهو: هل غابت هذه الحقائق عن أذهان اللجان التي درست الموضوع؟! أليسوا أرباب أسر؟! ويصرفون على بيوتهم؟ أو يعرفون كم ينبغي على الفرد, ناهيك عن رب الأسرة أن يواجه من أعباء الحياة, وتكاليف المعيشة؟!, إنهم بهذا, مع تقديري, يضعون سابقة للاحتجاج بهذه الرواتب, من قبل المناوئين للتعيين في القطاع الخاص, حيث سيمتنع الكثير عن توفير رواتب تزيد على الحد المشار إليه, وسينشأ عن ذلك إضرار بهذه الفئة, إما بقبولها هذه الرواتب مرغمة, وإما مواجهة شبح البطالة!!
لماذا نخص هذه الفئة دون غيرها؟
إن الأمر المنطقي كان يقتضي ألا نخص هذه الفئة من العاملين بعقد ورواتب محددة, وأن ننظر إليهم كنظرتنا إلى طالبي العمل من الفئات الأخرى, ويكون دورنا, أقصد وزارة العمل ووزارة التربية, تحديد نسبة سعودة تصاعدية تلزم وتلتزم بها المدارس, تحت إشراف الجهتين, وكونها تصاعدية, فإن هذا يتيح للمدارس إمكانية استيعابها وتحقيقها مع التزام صندوق تنمية الموارد البشرية بالإسهام بنسبة 25 في المائة من الرواتب لمدة خمس سنوات, على أن تتناقص هذه النسبة بمعدل 5 في المائة من السنة الثانية بحيث تتحول إلى زيادة في الراتب (علاوة) تستوعبها المدارس تدريجيا مع زيادة الخدمة واكتمال المهارات, أما سبب اقتراح إسهام الصندوق هذه النسبة التي تقل عما يسهم به عادة, فلأن هذه الفئة من العاملين لا تحتاج إلى التدريب في حقل التربية الذي هو في الغالب مجال تخصصها.
لماذا لا تحدد الأجور بعامة؟!
لقد كانت هناك نداءات بوضع حدود دنيا لمرتبات السعوديين بعامة, يمكن الاسترشاد والتقيد بها في القطاع الخاص تراعى فيها فوارق الالتزامات وأعباء المعيشة, ولا تبتعد كثيرا عن مرتبات الحكومة, وألا تلحق الضرر بمنشآت القطاع الخاص, وذلك بأن يسهم صندوق تنمية الموارد البشرية في تحمل نسبة منها للفئات التي تحتاج إلى تدريب, ولكن هذه النداءات لم تجد الاستجابة المطلوبة عدا ما سمعناه من مبادرات محدودة من بعض رجال الأعمال, بأن يكون الحد الأدنى لتوظيف المواطنين هو راتب 1500 ريال, وهذا الالتزام إن حصل يبقى خالي المضمون ما لم يتبعه تحديد للرواتب لكل الفئات مبني على المؤهلات والخبرات وحقول التخصص, وذلك حتى لا يكون هذا الراتب اليتيم بمثابة ورقة يحتج بها كل من يريد مقاومة قرارات التوطين وإفشالها, وهو ما يواجهه بعض الشباب من حملة الثانوية والجامعية, حينما لا يجدون من يوفر راتبا أعلى من الحد المذكور, الأمر الذي قد يحمل في مضمونه انتكاسة لتوجهات السعودة!!
إن وضع البطالة المشاهد, وما ينتج عنه من مشكلات خطيرة تتزايد بتزايد أعداد الخارجين من التعليم العام والجامعي الواقفين على أبواب العمل, يتطلب تحديد الأجور لمستويات الشهادات, على أن تكون الأجور بعد تحديدها, بمثابة حد أدنى يضاف إليه هامش حركة بالزيادة وفقا للتخصص والخبرات والدورات التدريبية, وما لم يتم ذلك فسيقوى سلاح المقاومة في يد المناوئين للسعودة, وستبقى محاولاتنا عرضة للفشل, كما هي الآن, حتى وإن استطعنا إدخال أعداد محدودة إلى سوق العمل, لأن هذه الأعداد لن تصل حتى إلى نسبة المتدفقين من الخريجين إلى سوق العمل سنويا, وفي كل فترة تخرج, ناهيك عمن ينتظرون على الأبواب قبلهم!!
والله من وراء القصد