إيران والولايات المتحدة: تباين المواقف ينذر بأزمة نفطية
تعد إيران رابع أكبر منتج ومصدِّر للنفط في العالم, وثاني أكبر منتج للنفط في "أوبك" بعد السعودية، لذلك لا غرابة في ارتفاع أسعار النفط بسبب توتر العلاقات بين إيران والدول الغربية بسبب برنامجها النووي. ولا غرابة في توقع البعض ارتفاع أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل إذا قامت إيران بوقف صادراتها النفطية, رداً على قيام مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات اقتصادية عليها أو قيام الولايات المتحدة أو أحد حلفائها بشن غارة جوية على مفاعلاتها النووية. الأسئلة التي تطرح نفسها في هذا المجال هي: هل الخلاف بين الموقفين الإيراني والأمريكي كبير لدرجة أن الحوار وصل إلى طريق مسدود؟ ما الخيارات الأمريكية للتعامل مع إيران؟ ما الخيارات الإيرانية للرد على تصرفات الولايات المتحدة وحلفائها؟ هل ستقوم إيران بوقف أو تخفيض صادراتها النفطية إذا تم فرض عقوبات اقتصادية عليها أو ضرب منشآتها النووية؟ ما مستقبل سوق النفط المستقبلية القائمة على اليورو بدلاً من الدولار التي أنشأتها إيران؟ ما أثر التطورات الأخيرة في مشروع أنابيب الغاز بين إيران والهند؟ هل ستستغل إيران التطورات الأخيرة لتغيير العقود النفطية وطرد بعض الشركات الأوروبية والآسيوية؟ كيف سترد إيران على موقف الدول الغربية ومجلس الأمن؟ هل ستقوم إيران بوقف صادرات النفط العراقية؟ ما مسوغات ذلك؟ هذا ماسيتم نقاشه في هذا المقال والمقالات التي تليه.
الموقف الأمريكي
حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة أكبر بكثير مما يتوقع الخبراء والمحللون. فانزعاج الولايات المتحدة من إيران لا يقتصر على محاولة إيران بناء مفاعلات نووية فحسب، وإنما يمتد إلى أمور كثيرة ترى فيها الولايات المتحدة تهديداً لها على المستويين الإقليمي والعالمي. فأمريكا ترى أن إيران دخلت معها في "حرب باردة" شبيهة بالحرب الباردة في الستينيات والسبعينيات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي حيث استنزفت موارد البلدين في حروب غير مباشرة بدأت في فيتنام وانتهت في أفغانستان. فإيران, وفقاً لوجهة النظر الأمريكية، أحد "محاور الشر" في العالم الذي يدعم الإرهاب، ويدعم حزب الله في لبنان، ويدعم "حماس" في فلسطين، ويقوي علاقاته مع سورية التي مازالت على قائمة الدول الإرهابية. إضافة إلى ذلك فإن إيران تتدخل في الشؤون الداخلية لدول آسيا الوسطى، وتتدخل على كل الأصعدة في العراق. لائحة الاتهامات الأمريكية لإيران طويلة وتتضمن أموراً عديدة مثل حماية إيران عناصر من القاعدة ورفضها تسفيرهم أو محاكمتهم، وانتهاكها حقوق الإنسان والأقليات العرقية، بما في ذلك الأقلية العربية والكردية، والأقليات الدينية بما في ذلك المسلمين السنة وغيرهم من الأديان الأخرى. كما تتضمن اللائحة اتهام حكام طهران بنشر الكراهية والحقد بين الشعوب، خاصة بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد المتعلقة باليهود والمحرقة. إضافة إلى ذلك فإن إيران ليست دولة ديمقراطية كما تدعي لأنه رغم الانتخابات فإنها مازالت دولة دينية يحكمها رجال الدين الذين يتحكمون في كل شيء, بما في ذلك الرئيس المنتخب.
بناء على ما سبق فإن موضوع المفاعلات النووية لم يكن إلا القشة التي قصمت ظهر البعير. لذلك فإن التوتر في العلاقات الإيرانية -الغربية لن يتوقف حتى لو قررت إيران التخلي عن برنامجها النووي، الأمر الذي يزيد من احتمال توقف أو تخفيض صادرات النفط الإيرانية وارتفاع أسعار النفط.
الموقف الإيراني
تعتقد الحكومة الإيرانية أن الولايات المتحدة وحلفاءها بالغوا في تقييمهم أهداف برنامج إيران النووي. فالبرنامج سلمي بطبيعته وإيران مضطرة للقيام به لتلافي النقص في إمدادات الكهرباء في المستقبل. يؤمن القادة الإيرانيون بأن عدم قدرة الحكومة على توفير الكهرباء بالكميات المطلوبة لمقابلة الزيادة المطردة في عدد السكان والنمو الاقتصادي سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد الإيراني وزيادة القلاقل الاجتماعية والسياسية. يرى الخبراء الإيرانيون أن الفورة السكانية، وارتفاع نسبة الأطفال بالنسبة إلى عدد السكان، والتغيرات الثقافية والمعيشية التي حصلت في العقدين الأخيرين قد أدت إلى زيادة كبيرة في معدلات استهلاك الكهرباء بشكل لم تشهده إيران من قبل، كما يتوقع لها أن تستمر خلال العقود الثلاثة المقبلة. لذلك فإنه ليس هناك أي خيار أمام الحكومة الإيرانية سوى أن تستمر في بناء المفاعلات النووية رغم الضغط الدولي. فالحكومة تعتقد أنها تستطيع أن تتحمل الضغط الدولي، ولكنها قد تكون ضحية للضغط الداخلي الذي قد يطيح بها. يدعم هذا المنطق الذي تتبناه الحكومة العديد من الأدلة التاريخية، ومن إيران نفسها. فقد استطاعت حكومات الثورة الإسلامية أن تستمر في الحكم خلال الـ 27 سنة الماضية رغم الحرب العراقية ـ الإيرانية, والعقوبات الاقتصادية والضغوط الدولية، بينما سقط نظام الشاه بسبب الضغط الداخلي رغم كل الدعم الدولي له.
أما فيما يتعلق بالاتهامات الأخرى فإن إيران تعتقد أنها نابعة من السياسة المزدوجة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. لماذا تمنع إيران من التدخل في العراق في الوقت الذي تحتله الولايات المتحدة وتدخلت فيه قوى مختلفة بما في ذلك إسرائيل, الأمر الذي يهدد أمن إيران؟ لماذا تمنع إيران من التدخل في دول آسيا الوسطى المجاورة لها في الوقت الذي تدخلت فيه العديد من الدول؟ لماذا يسمح لإسرائيل بالمحافظة على قنابل ورؤوس نووية بينما تمنع إيران حتى من إجراء البحوث اللازمة لإنشاء برنامج نووي سلمي؟ لماذا تدعم الولايات المتحدة إسرائيل في انتهاكها حقوق الإنسان الفلسطيني وتعطيها الحق أن تفعل ما تشاء بالفلسطينيين، وتسمح لها بشن هجمات على لبنان، بينما يعتبر الدعم الإيراني للبنان وفلسطين دعماً للإرهاب؟
إن إيمان القيادة الإيرانية بالمعطيات السابقة، في الوقت الذي تعتقد فيه الولايات المتحدة بأن إيران أحد "محاور الشر" يجعل من الصعب الوصول إلى حل وسط يرضي الطرفين، الأمر الذي يزيد من احتمال زيادة التوتر وانخفاض صادرات النفط الإيرانية. المشكلة ليست انخفاض الصادرات الإيرانية أو ارتفاع أسعار النفط، وإنما ما يمكن أن تفعله إيران في العراق انتقاماً من الولايات المتحدة وحلفائها.