سنة أولى سفر

كان التفاعل مع موضوع السنة الأولى من حياة طفلي ومعاناة كل أم مع البنية التحتية في بلادنا كبيراً، فيبدو أني ضربت على الوتر الحساس لدى عدد كبير من القارئات والقراء، وآمل أن تحظى هذه الملاحظات باهتمام المعنيين في وزارة الشؤون البلدية والقروية في وضعها لمواصفات القطاعات العامة، ويطيب لي أن أشير إلى أن أحد القراء يلفت النظر إلى تبني الوزارة سياسة إشراك القطاع الخاص في إدارة وتشغيل بعض الخدمات والأنشطة البلدية، لكنه يقترح توظيف رؤوس الأموال النسائية في هذه الفرص الاستثمارية. وأنا إذ أجد أن موضوع تخصيص الخدمات العامة فكرة لا بأس بها حتى نرى النتائج، إلا أن ربط موضوع تحسين خدمات المرافق العامة خاصة دورات المياه لتتفق مع حاجات الأمهات وأطفالهن بالأموال النسائية فيه شيء من عدم إدراك أن القضية عامة وليست خاصة بالنساء وأن ما يخص النساء لا يعني أن أموال النساء هي الحل، إن الحل في أن تُشرك النساء في وضع القرارات الخاصة بالتخطيط العام وأيضاً في التنفيذ، لكن إيلاء القضية إلى أموال النساء فيه تهرب من المسؤولية كجهاز عام.
ولأنتقل الآن إلى موضوع اليوم الذي أردت أن أخصصه إلى جانب آخر من جوانب تجربة السفر مع طفل ولا سيما في السنة الأولى، خاصة على خطوطنا. فتجربتي مع ابني أجواد والسفر خلال العام الماضي، تحفل بالنوادر وبالخبرات التي تؤهلني لكتابة مجلدات وليس مقالاً مفرداً، ولا سيما وأنا أتحدث عن 29 سفرة قطعها معي لأغراض علمية أو بحثية وقليل من الاستجمام، مجرباً خلالها كل وسائل المواصلات الممكنة من طائرة وباخرة وقطار وترام وسيارة وحافلة، فضلاً عن جملة من خطوط الطيران العربية والدولية التي تجعل رأيي موضوعياً.
إن ما قد لا تعرفه الكثيرات من الأمهات المسافرات هو أن هناك الكثير من الحقوق التي تجب لهن ولأطفالهن بحكم التزام كل دولة بعدد من المواثيق أهمها ميثاق حقوق الطفل العالمي (وقعتها المملكة عام 1999). ومن أهم هذه الحقوق حفظ أمن وسلامة الطفل على الطائرات سواء على الأرض أو في السماء. وفي السماء يفرض على كل خطوط الطيران أن توفر للأطفال، ولاسيما الرضع ومن لا يستقلون بمقعد بعد، أحزمة أمان تشد إلى حزام الأم أو الأب، هذا فضلاً عن توفير سترة نجاة خاصة بالصغار، وإن كان المسؤولون في بعض خطوط الطيران الدولية يطلبون مني أن أضم طفلي إلى حضني وأحمد ربي. إضافة إلى ذلك، فإنه يتحتم على موظف استقبال التذاكر والعفش أن يخصص للأم مقعداً في صف محدد معروف بأنه تتوافر فيه كمامات أوكسجين إضافية لاستخدام الطفل. ومن واجب خطوط الطيران أن تنبه الأم إن لم يتوافر مقعد به كمامة إضافية لاتخاذ احتياطات خاصة منها تجهيز بدائل أو تفريغ المقعد المجاور. لكننا نجد أنه نظراً لأننا نادراً ما نعرف هذه الحقوق فإن خطوط الطيران تضعنا حيث شاءت وكيف شاءت معتمدة على جهلنا. كما أن هناك خدمة مهمة للأطفال الرضع ولاسيما في السفرات الطويلة، وهي السلال. وهذه تعلق في الصف الأمامي للدرجة التي تجلس فيها العائلة، لكن عددها محدود ومن المهم أن تُحجز مع حجز المقعد, وهي مفيدة ومريحة جداً إذ إن الرضيع يمكنه أن ينام فيها مرتاحاً وكذلك للأم أن تتحرك بحرية في مقعدها. كما أن هذا الصف من الصفوف المعدة بكمامات إضافية.
ومما لا يعرفه الكثيرون منّا أن أول من يجب أن يركب الطائرة هي العائلات بأطفال وألا يسمح لبقية المسافرين بالصعود حتى تستقر هذه العائلات التي تحتاج إلى وقت حتى تجلس وتسيطر على أطفالها وحقائبها وتربط أحزمتها وأحزمتهم. ومما قد لا تعرفه الكثيرات من الأمهات أيضاً أن من واجب كل خطوط طيران أن توفر في دورات مياه طياراتها طاولات للتغيير، على الأقل واحدة من دورات المياه تُضاف إليها طاولة متحركة تشبك في الجدار(بعض الخطوط تنزع الطاولات لسبب غير معروف حتى وهي مصممة مع الطائرة). كما يحق للأهل أن يطلبوا وجبة خاصة بالأطفال، لكن ينبغي أن تُطلب مسبقاً قبل الإقلاع ومع الحجز.
وتتفنن خطوط الطيران العالمية المتقدمة في خدمة ركابها والتخفيف من أوقات الانتظار في المطارات التي يكثر بها الترانزيت، أو تلك التي تحرص على كسب نقاط دولية وترغب في كسب شعبية لدى المسافرين. ومن أهم هذه الخدمات، توفير حضانات أو صالات لاستقبال العائلات بأطفالهم على أي درجة كانوا وعلى أي خطوط طيران سافروا، فهذه الصالات تتبع المطار نفسه. ومن الأمثلة على ذلك مطار زيوريخ فأي مسافرة بأطفال سوف تستمتع في غرف الأطفال المخصصة لتمضية أوقاتهم في ألعاب مفيدة. فتتوافر بها، إضافة إلى الألعاب التي تناسب كل الأعمار، أماكن مناسبة للتغيير للرضع ملتزمة بكل شروط النظافة والسلامة بالمواصفات الأوروبية، وثلاجات وسخانات وفرن لتجهيز الطعام حسب الحاجة، وكذلك مجهزة بأطعمة خاصة بالأطفال حسب أعمارهم وكلها من نوعيات الأطعمة العضوية، وتشرف عليها نساء مختصات في رعاية الأطفال على مدار الساعة.
ومما يجب أن تحرص عليه العائلات وخاصة الأمهات المسافرات بمفردهن مع أطفالهن أن تتسلم عربة طفلها عند باب الطائرة وتسلمه عند دخول الطائرة عند الباب أيضاً، وأن تُصر على أن توضع العربة في مكان خاص يصل إليه عمال العفش بمجرد نزول الطائرة أو أن تلتزم خطوط الطيران تلك بأن تنقل مع الأم المسافرة، طفلها وأمتعتها حتى سير العفش، فالمرأة ليست مخلوقا خارقا لديه عشرة أيد.
وغالبية خطوط الطيران العالمية توفر للأطفال هدايا من ألعاب خفيفة للهوهم وتسليتهم خلال رحلاتها ولا سيما الطويلة منها. وتتعامل غالبية الخطوط العالمية مع مسافريها بشكل متحضر يعرف حقوق المسافرين في حال حدث تأخير واضطر المسافرون للانتظار لفترات طويلة، فأول ما يقومون به هو إعلام المسافرين بالحالة ووضعهم في الصورة فيعرفون متى سوف تنتهي حالة الانتظار هذه، مع توضيح التعويض الذي سوف يصل إلى المسافرين فيما لو امتدت ساعات الانتظار, وعليها في هذه الحال أن توفر وجبات غذائية استثنائية وتعويضات مالية واستضافات في فنادق لمن عليه أن يكمل الليلة، مقدمين العائلات بمرافقة أطفال في كل الحالات.
إن غياب النساء، ولا سيما الأمهات منهن، عن المشاركة في وضع أنظمة ولوائح عدد من خطوط الطيران، يؤدي إلى التمييز ضد كل من هو ليس ذكراً وليس كبيراً وربما أيضاً ليس سليماً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي