(ملامح) رومانسية في العلاقات الإنسانية

وصلني إهداء كريم من الأديبة السعودية زينب حفني عن روايتها الجديدة (ملامح). تمتاز الزميلة حفني بشغفها المميز باستعمال أسهل الكلمات للوصول للقارئ العادي بكل الطرق الممكنة وغير الممكنة. تتحدث الكاتبة في (ملامح) مع الانسان العادي ببساطة متناهية وتضع بين يديه جوانب جريئة ولكن عادية من حياتنا اليومية تماماً، كما هو الحال في كتبها السابقة "نساء عند خط الاستواء" و"لم أعد أبكي" و"إيقاعات أنثوية".
تبدأ الرواية حين يواجه حسين زوجته ثريا ويرمي في وجهها "ورقة خلاصه" منها. تتحدث الكاتبة "الجداوية" ببساطة وأناقة عن أحداث تجري في الروضة والبغدادية والسبيل والكندرة، وكيف التقت ثريا شاباً "رائعاً يبحث عن صديقة". تتحدث ثريا عن زواجها التقليدي وكيف أن زوجها أقنعها ان تُجَاري رئيسه بالعمل (علوي) واستخدمها وسيلة لتحقيق مآربه لأن "هذا الرجل بيده مصيره المهني". ثم يتحدث زوجها حسين عن حياته وتجاربه وزواجه وعلاقاته الأخرى. استطاعت (ملامح) كسر الحاجز الوهمي الذي يفصل بين واقع وخيال الحياة الزوجية بجرأة لا هوادة فيها.
عندما تقرأ لزينب حفني توحي لك أنها عاشت حالات شد وجذب مع أطراف المجتمع، ولاسيما أنها تكتب باسمها الحقيقي بكل عفوية وشجاعة. ربما يكون السبب هو جرأتها في طرح مواضيع حميمة ساخنة لم تُفْتَحْ من قبل، مثل العلاقات قبل وأثناء وبعد الزواج وعلاقة ثريا مع هند ونقمة حسين على ماضيه البائس. الرواية تتحدث عن امرأة كانت ضعيفة في وقت ما لكنها تجاوزت محنتها فمسحت دموعها وداوت جراحها وبدأت حياة جديدة. تسأل ثريا في الرواية: "تُرى هل الوفاء وراثة أم تطبع مع الظروف؟" قد تكون نصيحة أم ثريا أن "لدى كل امرأة مفتاحاً سحرياً خاصاً بها، وأن الذكية هي التي تستخدم سلاح أنوثتها للمحافظة على زوجها" من الذكريات القليلة التي حملتها ثريا معها. حسين يعترف بدوره أن "أصعب شيء في الحياة هو أن تجد الدنيا تمد لك لسانها".
تقدم (ملامح) تحليلاً قد يبدو واقعياً للبعض وخيالياً للبعض الآخر عن العلاقات الرومانسية بكل أنواعها وألوانها وأشكالها. تقرأ بين سطور الرواية وصفاً معبراً عما يدور خلف رواشين بيوت جدة وكيف تحكم الظروف على الأخطاء الزوجية، فتبيحها حيناً وتقذف بها في بحر الخطيئة أحياناً أخرى. كذلك قد تلتقي خواطر ثريا وحسين وهند في نظرتهم للحب فتسأل ثريا: "لماذا يخون الرجال زوجاتهن، رغم حبهم لهن؟"، ويعترف حسين أنه لم يعرف الحب في حياته وأن الحب في رأيه هو "أكذوبة كبرى". أما هند فتقول "لا شيء له قاعدة أخلاقية مطلقة في الحياة". من المفارقات أن دراسة جديدة نُشِرَتْ في يوم الحب عن ارتفاع نسبة الطلاق في المملكة. أعلى معدل في المنطقة الشرقية (60 في المائة) ثم الرياض (50 في المائة) ثم تبوك (39 في المائة) ثم حائل وعسير (34 في المائة) ثم المدينة المنورة ومكة (15 في المائة).
توحي لك الكاتبة أن الرواية الناجحة قد لا ينحصر نجاحها في الارتكاز على النواحي الجمالية الخارجية وإهمال روح الرواية المتمثّل في شخوصها ودقة تصوير أحداثها. (ملامح) جديرة بالقراءة - من وجهة نظري - لأنها تحرر نفسها من عقدة الشعور بالذنب وتنطلق بحرية في غابات المجتمع الشائكة. تكاد تشعر بأنفاس ثريا وهي تتحدث بجرأة فرس ثائرة وصراحة غير معهودة، تماماً كما تكاد تشعر بمحاولة أي كاتبة سعودية مثقفة تفادي السقوط في قبضة المجتمع حتى لا تتهم بأنها امرأة تدعو إلى الانفلات الأخلاقي. أكاد أرى قلم الكاتبة يرجف وهي تُسطّر أحاسيسها وتُراقب ردود أفعال مجتمعها على ما ترسمه من لوحات إنسانية واقعية. قد تكون الرواية النسائية عادة مفعمة بالنظرة المنكسرة وتصور الأنثى كفريسة مستباحة، إلا أن (ملامح) تعطي المرأة بصيصاً من الأمل وكثيراً من الرجاء.
يقول ستندال إن الرومانسية هي إعطاء الناس أقصى قدر من السعادة بتقديم الأعمال الأدبية الجيدة. سواءً وافقنا أم لم نوافق عما إذا كانت زينب حفني قد قدمت السعادة أم الأدب، إلا أنها عَزَزَتْ مرة أخرى مكانتها كأديبة شمولية كتبت المقال في صحف محلية ودولية والقصة القصيرة والرواية والقصيدة النثرية. تكاد ترى في بعض منحنيات أحياء جدة الراقية نسخة (صوت وأحاسيس وصورة) من "حسين" و"ثريا" و"هند" و"السيد علوي" وتكاد تلمس كل نبضة ألم أو ضحكة أمل رسمتها الكاتبة زينب حفني بأناقة عفوية وبساطة ناعمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي