هيئة السوق المالية : "حجَّام وقلاع ضروس"

<a href="[email protected]">[email protected]</a>
"حجَّام وقلَّاع ضروس" مثل شعبي استنكاري أو ساخر تجاه كل من يعمل بمهنتين الأولي رئيسة والثانية لا مانع من القيام بها إذا دعت الحاجة. واستخدمت هاتين المهنتين للتعبير عن الاستنكار والسخرية في هذا المثل لمن يتخذون من الحجامة مهنة رئيسة ويمارسون مهنة قلع الضروس إذا دعت الحاجة لذلك، فكان أن أطلق هذا المثل على من يقوم بهاتين المهمتين استهجانا، لأنه قطعاً سيتقن إحداهما على حساب الأخرى، أو سيفشل في القيام بالمهمتين جميعا لتشتت فكره وجهوده، وقديما قالوا أبو بالين كذاب.

هيئة السوق المالية التي أنشئت لتنظم وتطور سوق الأوراق المالية Regulator كمهمة رئيسة ألقيت على عاتقها مهمة أخرى وهي مهمة إدارة السوق المالية السعودية "المنصوص عليها في نظام السوق المالية" لحين إنشاء تلك السوق واختيار أعضاء مجلس إدارتها بقرار من مجلس الوزراء وبترشيح من رئيس مجلس الهيئة فكانت كالحجام وقلاع الضروس.

إن مهام هيئة السوق المالية لتنظيم وتطوير السوق المالية وسوق الأسهم ملتهبة بعد تصحيح أيار (مايو) 2004م المؤلم لهي مهام كبيرة ومتشعبة ويجب القيام بها بأسرع وقت في سوق ناشئة تفتقد إلى كثير من المتعاملين للقيام بمهام مهمة وبمهنية مثل الوساطة، الترتيب، الإدارة، والحفظ..الخ، إضافة إلى ضعف الوعي بالاستثمار في الأوراق المالية لدى معظم المستثمرين، فماذا لو أضيف لها مهمة أخرى وهي القيام بمهام مجلس إدارة السوق المالية السعودية؟

قبول مجلس إدارة هيئة السوق المالية بالقيام بمهام مجلس إدارة السوق المالية السعودية نقل درجة مهمة هيئة السوق المالية بتنظيم وتطوير سوق الأوراق المالية من الصعبة إلى شبه المستحيلة وزاد من سخونة الصفيح الساخن التي وجدت هيئة السوق المالية نفسها واقفة عليه.

نعم أيها الإخوة إن مهمة هيئة السوق المالية بتنظيم وتطوير سوق الأوراق المالية استدعت مجلس إدارة يتكون من خمسة أفراد، بينما مهمة سوق الأوراق المالية السعودية استدعت مجلس إدارة يتكون من تسعة أفراد (ممثل وزارة المالية، ممثل وزارة التجارة والصناعة، ممثل مؤسسة النقد العربي السعودي، أربعة أعضاء يمثلون شركات الوساطة المرخص لها، عضوان يمثلان الشركات المساهمة المدرجة في السوق)، وهاتان المهمتان أوكلتا إلى أعضاء مجلس إدارة هيئة السوق المالية الخمسة، فماذا نتوقع من خمسة يؤدون وظائف 14؟

أظن أن المهمة ستكون شبه مستحيلة، وهذا ما حصل فعلا إذ إن أعضاء مجلس إدارة هيئة السوق المالية تصرفوا مع جميع المتعاملين في السوق المالية باعتبارهم يمثلون جهة منظمة Regulator بينما كان السواد الأعظم من المتعاملين في السوق يتوقع من مجلس إدارة الهيئة أن يتصرف كإدارة للسوق، وهنا حصل الشد والجذب الذي أسهم في أزمة سوق الأسهم التي نعاني منها اليوم والتي أسهمت في إقصاء رئيس هيئة السوق المالية السابق المهندس جماز السحيمي رغم ما بذله من جهود كبيرة ومتراكمة في تنظيم السوق المالية منذ أن كان نائباً لمحافظ مؤسسة النقد العربي السعودي.

وإضافة إلى هذه المهمة شبه المستحيلة، نتيجة الضغط الكبير القائم على هيئة السوق المالية للقيام بمهمتين وعلى أكمل وجه وبسرعة رغم أن أحدهما أصعب من الأخرى، أقول إضافة إلى ذلك كان المتعاملون في السوق المالية يشككون في أعضاء هيئة السوق المالية لتأخرهم في إنشاء سوق الأوراق المالية السعودية متهمين لهم برغبتهم السلطوية للاستمرار في الهيمنة على سوق الأسهم لتحقيق مكاسب لهم، رغم أن هيئة السوق المالية أوضحت مرارا وتكرارا أنه من غير الممكن القيام بذلك دون استكمال إصدار اللوائح المنظمة لأعمال الوساطة أولا ومن ثم الترخيص لعدة شركات تعمل في هذا المجال تمهيدا لاختيار أربعة منها تضاف إلى تشكيلة أعضاء مجلس إدارة السوق المالية السعودية فيكتمل بذلك نصاب مجلس إدارة السوق التسعة.

إذن سوق ناشئة تحتاج إلى إدارة حساسة تتعامل مع السوق بمستوى عال من الكفاءة، في علوم الإدارة، الاقتصاد، النفس، الاجتماع، والتمويل " كما يقول الدكتور عبد الوهاب بن سعيد القحطاني " وتمس حياة أربعة ملايين مستثمر، أي أنها تمس حياة كل مواطن سعودي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، توكل جميع مهامها تنظيمها وتطويرها وإدارتها إلى هيئة تتكون من خمسة أعضاء احتاجت هي الأخرى وقتا طويلا لتوظيف وتأهيل الكفاءات البشرية اللازمة لها للقيام بمهامها، ألا تعتقدون معي أن ذلك فوق طاقة البشر؟

وعلى كل حال فما مضى قد مضى وعلينا أن ننظر إلى الغد من أجل سوق مالية ناضجة، علينا أن ننهي ازدواجية "الحجام وقلاع الضروس" ونجعل هيئة السوق المالية تتخصص في مهمتها الرئيسة، وأن نترك مهنة قلع الضروس لمهني آخر يبرع فيها فقد يستطيع أن يعالج الضرس دون قلعه، أي علينا الإسراع في تأسيس السوق المالية السعودية لتقوم بمهامها خاصة وأنه ـ ولله الحمد ـ قد تم الترخيص لعدد لا بأس به من شركات الوساطة، نعم إن الإسراع في ذلك وعدم التريث مهما كانت الأسباب هو الطريق الأقرب لتخفيف حرارة الصفيح الساخن الذي تقف عليه هيئة السوق المالية ويحرق أقدام كل من يقف عليه إذا استمر على هذه الحال مهما كانت معارفه وخبراته ومهاراته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي