دبي ... في رابغ
بهدوء تام .. تبعته العاصفة، كان انطلاق مشروع مدينة الملك عبد الله في رابغ، حقيقة كان المشروع مفاجأة للجميع، ولا أبالغ إذا قلت أنه مجموعة من المفاجآت في باقة واحدة، طبعا معظم هذه المفاجآت سار .
أولى هذه المفاجآت كان حجم المشروع.. فمبلغ 100 مليار ريال رقم فلكي بجميع المقاييس حتى للمشاريع الحكومية فكيف لمشروع يقيمه القطاع الخاص ! وهذه هي المفاجأة الثانية أن المشروع لشركة واحدة في القطاع الخاص وقد تعودنا أن تقوم مشاريع بأقل من هذا الحجم بمبادرات حكومية وملكية حكومية ! المفاجأة الثالثة الشراكة مع "إعمار" ودبي !، أما المفاجأة الأكبر فهي سرية المشروع حتى يوم الإعلان عنه والذي أرى أن المطورين يستحقون عليه جائزة سأسميها مجازاً جائزة " الكتمان ".
بعد إعلان المشروع انقسم الناس بين مؤيد ومعارض ومتفائل ومتشائم، وكالعادة كانت الآراء بعدد المحللين، وسأنقل هنا ما دار في بعض مجالس رجال الأعمال التي حضرتها بنفسي حول المشروع:
من الناحية الإيجابية فالمشروع مشروع جبار، تحتاج إليه المملكة في هذا الوقت لتقادم مدينة ينبع واكتفائها، وقلة المناطق الصناعية المتاحة والمجهزة في المملكة، وهناك حاجة ماسة لميناء بحري كبير وضخم على البحر الأحمر، كما أننا نحتاج إلى نقلة نفسية إيجابية بدلاً من الإحباطات التي أصابت مجتمع الأعمال من هجرة الأموال إلى خارج المملكة برغم الفرص الذهبية داخلها، كما أن قيام المشروع على أكتاف القطاع الخاص يعني الكثير لهذا القطاع، ودخول شركة إعمار في المشروع شريكا أساسيا يعطي جدية أكبر للمشروع، وتبني الهيئة العليا للاستثمار للمشروع يضفي على المشروع صبغة مختلفة واستثنائية في الإجراءات، والرعاية الملكية من قيادات المملكة ودبي التي ظهرت عند إطلاق المشروع تعني ثقة أكبر ورعاية عليا للمشروع، وبالطبع كان الأكثر إيجابية في المشروع أنه سيوفر 500 ألف وظيفة للشباب السعودي، وهذا يعني أن رجال الأعمال سينفكون من أسر وزارة العمل ومكاتبها الموقرة !!! حيث إن العمالة السعودية الراغبة في التوظيف لا تتجاوز 15 في المائة من هذا العدد حسب حملة التوظيف الأخيرة لوزارة العمل.
تساؤلات المحللين " لن أقول شكوكهم " تنطلق من طبيعة المشروع كما يراها كل منهم، وسأعرضها هنا باستقلالية: لماذا لم تنشأ شركة مساهمة خاصة للمشروع ؟ وهذا ما وجه به الملك بعد إطلاق المشروع. لماذا هذه السرية للمشروع ؟ بالتأكيد هناك طبخة وراءه !! ما تأثير المشروع على مدينة جدة سلباً وإيجابا؟ كيف سيتعامل المشروع مع وزارة العمل؟
من أطرف ما قيل أن الناس والتجار النخب والعامة أصبحوا يتغنون بدبي ويرون في دبي مدينة الأحلام والمثل الأعلى في التنظيم والترتيب والتسهيل والفرص والمستقبل، فرأت القيادة أن تجلب لهم دبي إلى السعودية بدلا من أن يذهب المستثمرون إلى هناك.
الصورة التي أراها ماثلة أمامي وأتمنى أن أعيشها حقيقة .. أن هناك مشروعاً عظيماً في الأفق، بغض النظر عما يراه المحبطون السلبيون، على الجميع طرق كل السبل لإنجاحه، وخاصة أصحاب القرار في الوزارات ذات العلاقة، نريد مشروعاً جباراً بحجم المملكة ووزنها الاقتصادي الخليجي والعربي والإقليمي والعالمي، مشروعاً بحجم رجالها، مشروعا بعيداً عن المصالح الذاتية والأنانية الشخصية، بعيداً عن الفساد المستشري في جميع الاتجاهات، مشروعاً يكون مثالاً ونموذجا يحتذى لباقي المستثمرين، مشروعاً يرسم واقع وحقيقة الإنسان السعودي ويرغم القيادة ويشجعها لتقديم دعمها اللامحدود لمشاريع أخرى مماثلة قريبة في جميع أرجاء الوطن.
وقفة
على قدر أهل العزم تأتي العزائم... و تأتي على قدر الكرام المكارم