الذكاء الجمعي والغرف التجارية.. هل نحن مجتمع "هوامير"؟

هل التاريخ يعيد نفسه أم نحن الذين نعيده فنجعله يدور في حلقات مفرغة؟ فمن هوامير الشرقية إلى موظفي أموال جدة إلى عسير. أحداث تتكرر وصور مملة. ويبقى السؤال عن سبب التكرار سهل الإجابة عصي الحل. يعجبني كلام الدكتور عبد الله البريدي حول الذكاء الجمعي, بيد أنه تبقت لدي أسئلة حول تنمية واستدعاء وبناء الذكاء على مستوى المجتمع. وهل يختلف الذكاء عند هذا المستوى إذا قسمنا المجتمع الكلي إلى مجتمعات أصغر؟ هل مجتمع موظِفي الأموال أكثر ذكاء من مجتمع مانحي هذه الأموال؟
إن مثل هذه التساؤلات لها ما يبررها كلما سمعت عن شخص قدم جهد عمره إلى من يدعي توظِيفا له دون قيد أو شرط سوى وصل أمانة لا يسمن ولا يغني من جوع. هل يعتبر نوعا من أنواع الغباء الجمعي, إذا جاز التعبير, عندما يقدم عدد من الناس ما يصل إلى المليار ريال أو يزيد دون ضمانات إلى شخص أو أشخاص لا يعرفون عنهم حتى أسمائهم. وإذا كانت كوريا الجنوبية تمثل نموذجا للذكاء الجمعي عند الدكتور عبد الله فهل تمثل هذه الشريحة من مجتمعنا نموذجا للغباء الجمعي؟

رغم كل المحاولات والسعي الدؤوب من الدولة لحماية أموال الناس وما تقدمه الصحافة من مقالات عامة ومتخصصة وحتى الكاريكاتير المحلي للتحذير من مثل هذه التصرفات, تظل فئة من المجتمع تبيع الذي هو أدنى بالذي هو خير وتشتري تدفقات من الثروة المستقبلية الموهومة من بعض مدعي التجارة بثروات حقيقية لو استثمرت كما يجب لصنعت المعجزات. فماذا تفعل الدولة بمن أخذ رقما بالملايين وهو بكامل قواه العقلية ليسلمها ودون شرط ولا ضمانات كافية إلى من يسرقها منه؟ كيف تستطيع الدولة حماية مجموعة من الناس تآمروا على أنفسهم لسرقة أنفسهم ثم جاؤوا عشاء أو ظهيرة يبكون؟ عندما يتآمر المجموع على مقدراته وثرواته وجهده تثار أسئلة حول الغباء أو الحمق الجمعي وكيفية الخلاص.
أنا على يقين أنه من الصعوبة بمكان لموظِف أموال يعمل في سوق الأسهم أن يقدم تدفقات نقدية شهرية كبيرة دون الإضرار إما بحقوق المساهمين وإما بالسوق المالية نفسها أو بكليهما. فهو ولتلبية تعهداته بالتدفقات النقدية سوف يضطر إلى تصفية المحافظ التي يديرها وهو أمر يكتنفه العديد من المخاطر وقد يضطر إلى البيع بخسارة, وهذا يحمل في طياته مخاطر جمة على السوق تظهر في شكل تذبذبات كبيرة في الأسعار إذا كانت هذه المحافظ كبيرة بما يكفي لإحداث تلك الموجة. أما إذا لم يقم بتصفية جميع المحافظ فسوف يواجه مشكلة تقييم الأسهم, وهذه إشكالية كبيرة يعرفها كل محاسب متمرس في هذا المجال. فهل تتم التقييمات بالقيمة السوقية أم بالتكلفة وما آثار الأرباح والخسائر غير المحققة على التدفقات النقدية؟ وكيف تتم تسوية هذه الأرباح أو الخسائر غير المحققة في الفترات التالية؟ ما المعايير المحاسبية التي يتبعها ممارس هذه المهنة؟ وهل هناك أسعار للوحدات تضمن للمساهم القديم حقوقه وعدم تحمله مخاطر التقييم؟ وهل يفصح عن مثل هذه التقييمات للمساهم الجديد أم لا؟ وإذا رغب أحدهم في استرداد كل أو جزء من حقوقه فهل تتم تصفية كامل المحفظة أم تتم إعادة التقييم؟ ومتى؟ هل هناك أسعار للوحدات يتم الإعلان عنها دوريا؟ كل هذه الأسئلة وأكثر يمكن إثارتها في وجه من يدعي المساهمات في السوق المالية فهي ليست كغيرها من المساهمات وتختلف جذريا عن المساهمات العقارية.
لماذا لا تعلن هذه المحافظ عن بيانات مالية مفصلة تبين حقيقة الأعمال, لماذا لا يعين مراجع خارجي لتدقيق الحسابات ومطبقا إجراءات المراجعة وقيودها الصارمة التي تقضي فيما تقضي وجود أنظمة للرقابة الداخلية كافية لحماية الأصول وتقديم تقرير بذلك إلى الجمهور. لماذا لا يسمح موظِفو الأموال للمساهمين بالمشاركة في اتخاذ القرارات الاستراتيجية المهمة أو على الأقل الاطلاع عليها. لماذا لا يتم تعيين لجنة إشرافية أو لجنة مراجعة مستقلة عن الإدارة التنفيذية. ومع كل هذه الأسئلة الحرجة ومواضع الشك الجوهرية وعند أول ظهور لموظِف أموال, معلنا اكتشافه منجما للثروة لم يعرفه رجل أعمال قبله ويدعو لمشاركته الأرباح المنتظرة كرما منه وحبا للجماهير المتعطشة! تتسابق إليه شريحة من الناس كالفراش يسعى إلى النور حتى إذا انكشف ستر النور بالنار تزايدت الصرخات والاستغاثات والدعوة إلى حماية أموال الناس, ولات حين مناص.
وإذا كانت قضية الذكاء الجمعي تتمايز بين شرائح المجتمع وفئاته فكيف يمكن تصنيف ذكاء الغرف التجارية لدينا وهي تقدم لوائح عن الشركات النيجيرية أو الشرق آسيوية كشركات احتيال محتملة يجب الحذر منها ولا تحرك ساكنا أو تحذر أو تقدم قوائم بأسماء أمثال هؤلاء المحتالين في مجتمعنا؟ لم اقرأ أبدا في أية مجلة متخصصة أو صحيفة أن غرفة من الغرف التجارية لدينا قدمت تقييمات لشركات توظِيف الأموال Ranking بناء على معايير معينة تساعد الناس على فهم هذه السوق. وإذا كانت الغرف التجارية تمثل تجمع رجالات الأعمال وتعبر عن آرائهم وعن المصداقية المهنية وهي حامي حمى سمعتهم التي تمثل أصلا مهما من الأصول المعنوية للتجار فكيف تتشاغل بلوائح المرشحين للانتخابات وتتغافل عن منتحلي شخصية رجال الأعمال وهم أبعد ما يكون عن شرف هذه المهنة الجليلة. لماذا لا تسن الغرف التجارية ميثاق شرف لمن يمتهن أعمال التوظِيف والمساهمات أيا كانت وأيا كان مجالها وفيه العديد من الشروط التي من أمثلتها وجوب تعيين مراجع قانوني وتطبيق أنظمة رقابة داخلية لحماية الأصول واستثمارات المساهمين, وكذلك وجود مستوى معقول من الشفافية والإفصاح وتعيين محام لكل شركة مساهمات يتم الإعلان عنها.
عانت الغرف التجارية وما زالت من المساهمات العقارية ومع ذلك لم تمول بحثا واحدا, فيما أعلم, لتقديم حلول جذرية لهذه المشكلة. وعلى الرغم من التقدم اليسير الذي طرأ على هذا النوع من المساهمات, من خلال تعيين مراجع قانوني, فإنها تظل تعاني مشاكل جوهرية فيما يتعلق بالقرارات ودرجة الإفصاح والقوائم المالية وخلافها. ويبدو أن الغرف التجارية لم تتعلم من تجربة المساهمات العقارية القاسية وتحاول تلافي الأخطاء مع المساهمات في سوق المال (كشركات توظيف). ويبقى السؤال: هل نحن مجتمع لتربية الهوامير؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي