حديث حول بالون سوق المال
لا جدال في أن معظم الشركات المدرجة في سوق المال وصلت إلى مستويات سعرية مرتفعة إذا ما قيست بمتوسط مكرر الربحية لمجمل السوق أو لكل شركة على حدة، وهذا معروف للمتابعين كافة. ولا جدال أيضا في أن ارتفاع حجم السيولة يضغط في اتجاه رفع أسعار معظم الشركات, ولعل ضخامة أحجام التداول اليومية خلال الأسبوع المنصرم دليل على ذلك.
وأعتقد أنني لا أضيف جديدا عندما أقول إن التحليل الفني أو الأساسي, وهما من أهم الأدوات المالية التي يستخدمها المضاربون لتحديد خياراتهم وقراراتهم الاستثمارية, لم يعودا ينطبقان على سوقنا المالية .
إذاً فالحديث عن بالون سوق المال الذي سينفجر في ظل المؤشرات الراهنة التي تقاس في الغالب بسلوك وأدوات التحليل المطبقة في الأسواق العالمية أمر منطقي إلا أن ثمة معطيات خاصة بسوق الأسهم السعودية يشاركها فيها معظم أسواق المال الخليجية ينبغي أن تؤخذ بالاعتبار عند الحديث عن مستقبل السوق.
أعتقد أن المؤشرات المالية الحالية التي تستخدم لقياس المستويات السعرية المقبولة للأسهم لا تنطبق تماما على سوقنا المالية لأسباب عديدة, منها أن الاقتصاد السعودي ومعه الاقتصادات الخليجية تمر بمرحلة انتعاش غير مسبوقة لا يقودها القطاع الحكومي وحده, كما حدث في بداية الثمانينيات, بل يشارك فيها القطاع الخاص بقوة بعد أن بدأ يأخذ دوراً مهما في العمل الاقتصادي. وربما أستطيع أن أشبه الانتعاش الاقتصادي الذي تمر به المنطقة الخليجية بما مرت به دول جنوب شرق آسيا قبل عقدين.
ولعل التوقعات الإيجابية للاقتصاد الكلي, خصوصا معدلات النمو المتوقع تحقيقها خلال السنوات المقبلة وأيضا محافظة أسعار النفط على مستوياتها المرتفعة والتوسعات الكبيرة لكثير من الشركات المدرجة في السوق وأيضا التغيرات المهمة في الإدارة والفكر الاستثماري للقائمين على معظم الشركات والنمو الكبير في أرباحها السنوية وارتفاع حجم الإنفاق الحكومي تجعلنا نتفاءل أكثر بدور القطاع الخاص في المستقبل ممثلاُ في ذراعه الأهم وهي سوق المال.
ومع كل هذه المؤشرات الإيجابية لا بد أن نتساءل: هل ستصل سوق المال إلى مرحلة الخطورة الحقيقية وينفجر بالون السوق ليحدث زلزالا اقتصادياً مدمراً لاقتصادات المنطقة؟ ومتى؟ وكيف نحافظ على سلامة واستقرار سوق المال إذن؟
إن أي سوق مال في العالم لها حدود سعرية تنسجم مع معطيات الاقتصاد التي تعمل من خلالها, وإذا كانت أسواق المال الخليجية قد تجاوزت المتوسطات العالمية فهذا لا يعني أنها وصلت إلى مرحلة الخطورة إلا أنها ستصلها لا محالة إن استمرت على هذا المنوال دون ظهور محفزات حقيقية مقبولة، كما أن أي انهيار لأسواق المال الخليجية سيكون في اعتقادي عنيفاً للغاية وسينتج عنه أضرار لن تمحوها سنوات طويلة, والأخطر من ذلك أن الأضرار ستشمل شريحة كبيرة من المواطنين فيها وسيؤدي إلى مرحلة ركود طويلة لها آثار خطيرة ستتجاوز في ظني الاقتصاد إلى غيره.
إذن فإن المحافظة على توازن واستقرار سوق المال ينبغي أن تحظى بأولوية كبيرة ليس من قبل هيئة السوق فقط بل من جميع المعنيين بالشأن الاقتصادي الوطني, وأخص بالذكر وزارة المالية ومؤسسة النقد والمجلس الاقتصادي الأعلى، لأنني لا أعلم عن أي دراسات متعمقة أجريت لسبر الأضرار المتوقعة لو حدث انهيار في سوق المال؟ وهل هناك إجراءات ستتخذ للحيلولة دون حدوث ذلك؟
هناك إجراءات يتفق الجميع على أنها تساعد على استقرار السوق ولكنها ليست كافية, منها طرح المزيد من الشركات الجديدة, لأن ذلك من شأنه استيعاب السيولة الفائضة التي تضغط على الأسعار وكذلك مراجعة لوائح التداول لإضافة اشتراطات جديدة تقلل من الاعتماد على المضاربة السريعة كسلوك استثماري وخفض نسبة التذبذب اليومي من 10 في المائة إلى 3 في المائة عند حدوث أي انهيار في الأسعار وغيرها, إلا أن الأهم هي خطة محكمة لتفادي أي انتكاسة للسوق تشارك فيها الجهات التي ذكرتها لأن عملا مثل هذا يعتبر بمثابة صمام الأمان الأهم.