Author

مجلس التعاون الخليجي.. أسس كي يبقى

|
فجر السيد عمر موسى الأمين العام للجامعة العربية، أزمة دبلوماسية جديدة عندما طلب من قادة دول مجلس التعاون الخليجي عدم التطرق إلى الملف النووي الإيراني، وهو ما اعتبر تدخلا في شؤون المجلس الخاصة. هذا التدخل جوبه برد حاد من قبل وزير الخارجية الإماراتي الذي تساءل بتهكم إذا ما كان السيد عمر موسى يتكلم بصفته مواطنا مصريا أم أمينا عاما للجامعة العربية. لعل أمين عام الجامعة العربية لم يكن مقتنعا بحجم المشاكل التي يعاني منها مجلس التعاون الخليجي فأحب أن يضيف إليها مشكلة أخرى من مشاكل الجامعة العربية تدخل المجلس في مناوشات جانبية ومساجلات كلامية لا تنتهي. كنا إلى عهد قريب ننتقد الخلافات الحادة التي تعصف بدول الجامعة العربية، ونشيد في الوقت نفسه بالانسجام التام الذي نجده في مجلس التعاون الخليجي، ولعلنا أصبنا مجلسنا بالحسد فأضحى كباقي المجالس العربية الأخرى تعصف فيه الخلافات وتوجه من خلاله الاتهامات المبطنة ويتفنن بعض أعضائه في معارضة المقترحات الحكيمة دون أن يكون هناك سبب منطقي للمعارضة. هل أصبح المجلس عاجزا عن تحقيق تطلعات الشعوب الخليجية؟ أم ترى أن الشعوب الخليجية حملت مجلسها فوق ما يستطيع من آمال وتطلعات لا يمكن تحقيقها على المدى القصير؟ هناك تضخيم إعلامي كبير لدور المجلس في خلق الحلول المناسبة لما تعانيه الدول الخليجية من خلافات ومشاكل متنوعة، هذا التضخيم الإعلامي يقلل من قيمة النجاحات المحققة للمجلس لدى شعوب المنطقة. يقابل ذلك التضخيم الإعلامي لدور المجلس نقد حاد وتشكيك في نواياه من قبل بعض المحطات الفضائية والأقلام المشبوهة التي يسوؤها أي تجمع خليجي يفضي إلى الاندماج والتلاحم بين أبناء الشعب الواحد. بين التضخيم الإعلامي والنقد الحاد أصبحت إنجازات المجلس باهتة في عيون شعوب المنطقة التي لم تعد تدرك مدى الخطورة التي يتعرض لها مجلس التعاون الخليجي والشعوب الخليجية بأسرها. ربع قرن مر على تكوين المجلس لم يستطع خلالها مجلس التعاون الخليجي تفعيل قرارات القادة المصيرية أو حل المشاكل الثنائية بل إنه بدأ في الآونة الأخيرة مثقلا بالخلافات عاجزا عن المواجهة أو اتخاذ أية قرارات مصيرية تمكنه من الانتقال إلى مرحلة جديدة من التعاون المشترك. فقد المجلس قوة الدفع الهائلة التي كان يستمدها من القادة المؤسسين، كما أن المجلس قد فقد في بعض أركانه بعد النظر وإمكانية ربط الماضي البعيد بالمستقبل القريب لبناء خطط استراتيجية حصيفة تبعد دول المجلس عن ويلات الفقر والتباعد والاستعمار الفكري والاقتصادي والعسكري وتقربهم نحو التكاتف والاندماج أمام ما يخبئه لهم القدر وما يحيكه لهم الأعداء. أستغرب من مدى فرط حساسية بعض أعضاء المجلس من الاقتراحات الفاعلة والتوصيات التي تهدف إلى رفع مستوى التكاتف والاندماج الخليجي لأسباب ليس لها علاقة بمضمون التوصيات والاقتراحات. لقد تجاوز الزمن كلمة "الفوقية" و"الإملاءات" و"الدول الصغيرة والكبيرة" واستبدلها بكلمات التعاون والمودة والمصالح المشتركة والعلاقات الأخوية بين الشعوب، أصبحت الدول تتفاعل باستقلالية مع بعضها البعض من أجل البناء ورخاء الشعوب. بعد أعوام من الظلام، انتقلت دول أوروبا الشرقية من مغبة سوء النوايا والتشاحن و"الحرب الباردة" إلى عالم رحب من التعاون والاندماج وتهيأة الظروف لخدمة البشرية ورفاهية الشعوب. كيف استطاعت أوروبا بما تحتويه من مشاكل عرقية وأيدلوجية وسياسية وإرث ثقيل مخضب بالدماء واختلاف في اللغات والثقافات من الانخراط في بوتقة الاتحاد الأوروبي وتوحيد الصف والكلمة، في وقت يعجز فيه مجلس التعاون الخليجي الذي بني على أسس متينة من الدين واللغة والثقافة والعلاقات الأسرية من أن يحقق جزءا يسيرا من ذلك التلاحم؟!. إنكار الذات وتغليب المصالح على الخلافات الشخصية وصدق النوايا والثقة والاحترام المتبادل بين أعضاء الاتحاد الأوروبي ساعد في تحقيق النجاحات المتتالية التي يشهدها الاتحاد الأوروبي. أجزم بأن أعضاء مجلس التعاون الخليجي يكنون من الحب والثقة والاحترام لبعضهم البعض الشيء الكثير، وأنهم أكثر حرصا من شعوبهم على تطوير المجلس ودفعه إلى مراحل متقدمة من التطوير، ولكن يجب أن نعترف بأن هناك بعض الجهات الخارجية التي تحاول أن تخلط أوراق المجلس بأمور هامشية وخلافات أقل ما يقال عنها إنها شخصية من أجل إذكاء روح التباعد وزرع بذور الريبة بدلا من التلاحم والثقة المتبادلة. هذه الخلافات هي التي تحول بين تحقيق المجلس لتطلعات قادته وتطلعات الشعوب. الفضاء يعج بمسوقي الفتنة وبالداعمين لتيار شق الصف الخليجي، بعضهم ينتمون إلى دول خليجية يتحدثون بألسنتهم الخليجية ويفكرون بعقولهم البعثية والناصرية. يتسنم بعضهم مواقع أكاديمية وإعلامية حساسة ما يجعلهم أكثر خطرا من سواهم. معظم القضايا المصيرية تحل خارج المجلس ومعظم القرارات الاقتصادية والأمنية يتم تأجيلها إلى ما لا نهاية، وبعض الخلافات الثنائية بين أعضاء المجلس لا يتم إدراجها ضمن أجندة لقاءات القمة. استراتيجية الإبعاد والتأجيل ساعدت كثيرا في خلق جو من الضبابية وأعطت أصحاب الأفكار الهدامة المساحة الكافية لتسويق أفكارهم المشبوهة. فلنرجع إلى البداية، ولنعمل سويا من أجل خدمة الشعوب وتنمية الحضارة والحفاظ على ثقافتنا الإسلامية الخليجية. القضايا الاقتصادية أنهتها اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، والقضايا السياسية لا يمكن لها أن تنجح بمعزل عن دعم الهيئات الدولية ورضا الولايات المتحدة الأمريكية، والقضايا النزاعية تحل لدى محكمة العدل الدولية. إذن ما الذي تبقى لنا؟ لم يتبق لنا إلا بناء الشعوب الخليجية والعمل على توطيد عرى المحبة والترابط وتدمير بذور الفتنة، ونبذ الخلافات والتراشق. لم يتبق لنا إلا الإنسان الذي خلقه الله "في أحسن تقويم" ثم هداه إلى سواء السبيل. ففي إكرامه إكرام للمجتمع وفي إهماله تدمير للمجتمع بأسره. والإكرام لا يعني إغداق الخيرات بقدر ما يعني صيانته وحفظه من كل الأخطار التي تصيب نفسه وعرضه ودينه. هناك حرب شعواء تدار في الخفاء ضد الشعوب الخليجية وليست ضد الحكومات، بدءا من حرية الأديان وبناء الكنائس ودمج اليهود في المجتمعات الخليجية وإغراق الأسواق الخليجية بالمنتجات المشبوهة وبالمخدرات، وتغيير ثقافة المجتمع وأمركة التعليم وظهور ما يسمى بـ "سياحة الجنس" التي استشرت في ثلاث دول خليجية مخلفة وراءها مشاكل صحية واجتماعية هدامة، وفتح الفضاء للقنوات الماجنة وقنوات الفتنة، وغيرها من القضايا المدمرة التي يخطط لها الغرب من أجل تدمير المجتمع وننظر لها على أنها تبادل الثقافات لا أكثر ولا أقل. مجلس التعاون الخليجي أسس كي يبقى صرحا عظيما يترجم معاني الأخوة والصفاء والتلاحم الأسري. الخليج لا يعدو أن يكون أسرة واحدة نمت في قلب الصحراء وتفرعت بأغصانها الستة الخضراء مشكلة شجرة باسقة وافرة الظل، ومن الظلم أن تهمل تلك الشجرة أو أن تترك سقايتها للغرباء الحاقدين.
إنشرها