Author

الخاسرون في الشعر الشعبي!

|
أجمل الشعر أكذبه.. وأجمل المطربات هن الأقبح صوتاً.. واسألوا العارفين، وفي الكرة ومنافساتها الأطول لساناً هم المهزومون، وفي الفن المتبرمون دائماً هم المنبوذون. في كل منحى هناك ربح وهناك خسارة، لكن الخسارة الأكبر في زماننا هذا وهي التي صعب قياسها، هو ذلك المسمى الشعر الشعبي، فالمقاييس من خلاله متداخلة، والأفاكون حاضرون وفي كل واد يهيمون، في الاحتفالات حاضرون، وفي المنافسات الرياضية يظهرون، وفي افتتاح "بقالة" أو ميناء موجودون. هم الآن في الفضائيات يهيمون ويصرخون.. "حبيبتي من تكون"، بعد أن ملؤوا الصحف والمجلات، بكثير من المهاترات. فالمتابع لحال الشعراء الشعبيين في بلادنا يجد أنهم قد استحضروا معظم ثقافتنا واختزلوها بل إنهم اقتطعوا جزءا كبيراً منها لهم "سواء بالمروة أو بالقوة" وتبادلوا خلالها ردحهم ومدحهم، وأفاق عشقهم التي جعلت من القبيح جميلاً. لسنا ضد الشعر والشعراء لكن ضد الموجة المحمومة التي جعلت من هذا الفن مسيطراً وكأن ثقافتنا قد خرجت من ردائه فقط، وعلينا أن نعترف أيضا أن ما يتم تداوله الآن بعيد كل البعد عما سطره الفطاحل الأوائل في الشعر الشعبي كالقاضي والسبيل والسديري وأحمد الناصر الشايع. لذا فمن حقنا أن نعلن التبرم المنطلق من دهشة مقلقة حين نرى بعض الفضائيات والمجلات والجرائد ذات البعد السطحي قد منحت متسعاً كبيراً لهذا الشعر الشعبي العامي ليس إلا لترويج بضاعتها بين بعض الأميين، بما يسمى قصائد عامية تافهة وسطحية في محتواها، معظم إثارتها ينطلق من أياد تهتز وشفاه ترتجف من هول قوة إخراج الحروف وهي في مجملها كلمات مكررة عن الغزل.!!. من جهتي أعترف بأن هناك من سينظر إلى رأيي هذا بكثير من السخط ولكنه رأي نابع عن قناعة تامة بما هو حولنا، وعليه فلابد من مواجهته والتصدي للتافه و"الغثيث" منه، ذلك الكثير منه الذي لا يستحق القراءة أو الاستماع وبما يؤكد أنه ضد الذوق الأدبي الحقيقي. أنا لا أدعو إلى نبذ هذا الشعر بكل مفاهيمه ومحاربته ليكون مصيره إلى مزبلة الأدب، بل إلى الارتقاء والاعتناء به أكثر من خلال إخراجه من الضعف والتفاهة التي هو فيها الآن، لأن ما حدث لهذا النوع من الشعر على أيدي بعض من يدعون أنهم أهله والمنتمين له ، ضيَّعه، وأفقده هويته، بل وجرده من هيبته واستئناس المجتمع به، لاسيما وانه قد خلع رداءه حتى أصبح عاريًا إما للمدح والتكسب وإما للتفاهة اللفظية عبر ما يسمى غزلاً. حقيقة فما عاد الشعر الشعبي شعرا لأن ما فعله به أولئك المتكاثرون على قصعته جعله مريضاً، لأن الشعر قد سمي بهذا الاسم لأنه يعزف على أحاسيسنا ومشاعرنا، لكن ما يتردد الآن بدون مضمون، ويخلو من الجمال، ويدخلنا إلى مواطن مؤلمة فجة. نشير إلى ذلك ونحن نعلم أن هناك قلة قليلة مازالت متمسكة بالأصالة الأدبية لهذا الفن، مدركةَ مخرجاته بوعي، فلها منّا كل الشكر. مدير تحرير مجلة "المجلة"
إنشرها