تراجع الإنتاج الروسي يضيف بعدا لمخاوف أسواق النفط بعد إيران ونيجيريا

رغم العطلة الطويلة في الأسواق الأمريكية التي ابتدأت منذ الجمعة الماضي، إلا أن بعض الأسواق العالمية التي ستفتح أبوابها اليوم ستكون مشغولة بالهم الأمني، السياسي، والعسكري، الذي تترجمه السوق إلى خوف من انقطاع الإمدادات هنا أو هناك من بعض الدول المنتجة، الأمر الذي أعاد التركيز على قضية اضمحلال الطاقة الإنتاجية في الوقت الذي يتصاعد فيه الطلب، وتشهد سوق المنتجات المكررة خاصة البنزين تراجعا في حجم المخزون منه.
والنصف الأول من الأسبوع الماضي شهد سلة منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" ترتفع بمقدار دولار يوميا بزيادة في بعض الأحيان، ثم تستقر قليلا لالتقاط الأنفاس فيما يبدو. يحدث هذا في الوقت الذي تجاوز فيه سعر الخام الأمريكي الحلو من خام ويست تكساس 69 دولارا للبرميل.
العامل الرئيسي في دفع الأسعار إلى أعلى يعود إلى الإعلان الإيراني عن قيام طهران بتخصيب اليورانيوم داخل أراضيها، وهي خطوة جعلتها في مواجهة مفتوحة مع مجلس الأمن. ويتضح من مسار الأمور خلال الأسابيع القليلة الماضية حالة التصعيد المستمرة من رفض طهران العرض الروسي بالتخصيب لديها، والتهديد بنقل الأمر إلى مجلس الأمن ثم مهلة الـ 30 يوما التي أعطاها المجلس لإيران، ورد طهران على ذلك بإعلانها التخصيب، وأخيرا الدعوة الأمريكية إلى معالجة الملف النووي الإيراني بموجب الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة، الأمر الذي جعل الخيار العسكري يبدو أكثر قربا. ومن ثم بدأت التوقعات فيما يمكن أن تقوم به إيران فيما إذا هوجمت عسكريا. وهناك خيارات عديدة لديها ربما يكون أقلها تكلفة بالنسبة لها وأكثر تأثيرا العمل على وقف الصادرات النفطية العراقية، وليس الإيرانية، وذلك لتحقيق هدف مزدوج أن تستمر في قطف ثمار أسعار النفط العالية من خلال صادراتها هي، وفي الوقت ذاته تلقي فيه بأعباء إضافية على الولايات المتحدة وبريطانيا المسؤولتين عن الوضع العراقي. وهي خطوة ستلقي بأعبائها على السوق النفطية.
وإلى جانب العنصر الإيراني واستمرار الاضطرابات في نيجيريا، ما يعني استمرار غياب نصف مليون برميل عن السوق النفطية، فإن هناك عاملا جديدا بدأ في البروز ليعطي بعدا إضافيا إلى جانبي تقليص الطاقة الإنتاجية الفائضة والبعد الإستراتيجي للنفط، وهو ما يتمثل في الصناعة النفطية الروسية التي شهدت تباطؤا في النمو بصورة واضحة منذ عامين.
فروسيا الساعية إلى تقديم نفسها موردا مأمونا للنفط والغاز لقدرتها على تحقيق نمو متلاحق في صادراتها أصبحت علامات الاستفهام تحيط بقدرتها على تحقيق ذلك. ففي الوقت الذي تمكنت فيه من رفع إنتاجها من 6.2 إلى 9.2 مليون برميل بين عامي 1998 و2004 لتصبح ثاني أكبر منتج للنفط بعد السعودية، وذلك في الوقت الذي ارتفع فيه حجم الطلب العالمي من 74 إلى 82.5 مليون برميل يوميا خلال الفترة نفسها. لكن خلال العامين الماضيين تراجع النمو وأصبح في حدود 3 في المائة فقط سنويا. وفي الأسبوع الماضي طرحت الوكالة الدولية للطاقة توقعات أشارت فيها إلى أن روسيا ستضيف إلى حجم الإمدادات هذا العام 265 ألف برميل فقط يوميا، أو ما يعادل 2.8 في المائة، بينما إدارة معلومات الطاقة الأمريكية اعتمدت توقعات أكثر تشاؤما قائلة إن الإمدادات الروسية ستكون في حدود 1.5 في المائة فقط هذا العام، و1.2 في المائة العام المقبل.
وفي تفسير ذلك تباينت الآراء، فالبعض أعادها إلى رغبة الرئيس فلاديمير بوتين تقليل الإمدادات عن قصد لإبقاء أسعار النفط مرتفعة ومن ثم الحصول على عائدات أكبر لتمويل برامجه الطموحة لإعادة روسيا دولة عظمى، بينما يرى آخرون أن إعادة القبضة الحكومية على الصناعة النفطية الروسية كما تمثلت في تفكيك شركة يوكوس أعادت معها العقلية الحكومية ذاتها في الإدارة والتخطيط والاستثمار، ومن ثم العجز عن إدارة الصناعة بفعالية، وأن القفزة الكبيرة التي حققتها روسيا في الفترة السابقة إنما كانت بسبب الانفتاح الذي شهدته تلك الفترة.
وبغض النظر عن الدوافع الحقيقية إلا أن التأثير أصبح واضحا، وبالتالي فإن برامج زيادة الطاقة الإنتاجية التي تقودها بعض الدول وعلى رأسها السعودية أصبحت تغطي جزءا مما تفقده السوق لسبب أو آخر، الأمر الذي يجعل حالة الخوف من انقطاع في الإمدادات موجودة بصورة مستمرة.
ولهذا لم يحدث رد فعل على الأرقام التي نشرتها إدارة معلومات الطاقة الأمريكية الأربعاء الماضي وبرز فيها أن حجم المخزونات من النفط الخام بلغ أعلى معدلاته منذ ثماني سنوات، أي منذ عام 1998، إلا أن المخزون من المنتجات المكررة شهد تراجعا لأن المصافي تعمل بنحو 85.6 في المائة فقط من طاقتها، ولهذا تراجع مخزون البنزين 3.9 مليون برميل إلى 207.9 مليونا، والمقطرات التي تشمل الديزل ووقود التدفئة تراجعت بمعدل 4.6 مليون برميل إلى 117.4 مليون. وبالرغم من أن المخزون من الغاز الطبيعي حقق نموا مقداره 19 مليار قدم مكعب إلى 1.7 تريليون قدم مكعب، إلا أنه جاء أقل كثيرا من توقعات المحللين. وكل هذه الأرقام تغطي الأسبوع المنتهي في 7 من الشهر الجاري.
رد فعل الأسعار على هذا أن خام ويست تكساس ارتفع 70 سنتا إلى 69.32 دولار للبرميل في نيويورك محققا زيادة دولارين من إغلاق الجمعة الماضي بالنسبة لمبيعات الشحنات المستقبلية. وفي لندن كانت الصورة مشابهة حيث حقق خام برنت زيادة بلغت 71 سنتا إلى 70.57 دولار للبرميل، وهو ما يقل فقط 26 سنتا عن أعلى معدل بلغته أسعار النفط عقب إعصار كاترينا في آب (أغسطس) الماضي عندما وصلت إلى 70.83 دولارا للبرميل. ولو أن يومي الأربعاء والخميس الماضيين هدأ خلالهما تراجع الأسعار إلى ما فوق 68 دولارا للبرميل بقليل، الأمر الذي يعكس حالة التقلبات والقلق التي أصبحت تتحرك عليها الأسعار.

تقرير أسبوعي تعده "الاقتصادية" تزامنا مع استئناف تعاملات أسواق النفط اليوم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي