حتى لا تتكرر أخطاء الماضي: مبتعثون أم سفراء؟ (1 من 2)
(1)
إذا كان كل مبتعث سفيراً لبلاده، كيف ستكون صورة السعودية في الغرب؟ هل تعتقدون أن صورة السعودية ستشوه، كما شوّهت بعد حادثة أيلول (سبتمبر)؟ لو أدرك الجميع، الطلاب، السياح، ورجال الأعمال، أنهم سفراء لبلادهم، هل سنجد مَن يحقد على السعودية والسعوديين في أي مكان؟ لو قامت الحكومة السعودية بمساعدة الطلاب المبتعثين ليكونوا سفراء لها عن طريق توفير الظروف الملائمة لذلك، هل ستكون مضطرة إلى إنفاق ملايين الدولارات على شركات العلاقات العامة لتحسين صورة السعودية في الخارج؟ هل يؤثر اشتراك الطلاب السعوديين في المنظمات الطلابية في الجامعات الغربية سلبياً أم إيجابياً على السعودية؟ هل تعامل الطلاب السعوديون مع جيرانهم الأمريكيين أفضل من عدم تعاملهم معهم؟ لماذا؟
هل تهميش الطلاب السعوديين في المجتمع الأمريكي مفيد للسعودية؟
(2)
تعلم المسلمون الأمريكيون درساً بليغاً من حادثة 11 أيلول (سبتمبر). فالبيانات تشير إلى أن أعلى حوادث اعتداء على المسلمين وممتلكاتهم بعد حادثة 11 أيلول (سبتمبر) كانت في المناطق التي تحتوي على جالية إسلامية ''ميتة''، بينما لم يحصل أي اعتداء في مناطق الجاليات الإسلامية النشطة. وبين هذين النقيضين تبين أن عدد الاعتداءات يتناسب عكسياً مع نشاط الجالية. لو كانت الجالية السعودية في الولايات المتحدة نشيطة، كما يجب أن تكون لكان أثر حادثة أيلول (سبتمبر) على السعوديين أقل بكثير مما حصل، ولما تجرأت وسائل الإعلام على الشطط في هجومها على السعوديين. لو كان أثر الطلاب السعوديين إيجابياً في الجامعة والمجتمع الذي يحيط بهم، لرأيت تلك الجارة العجوز تقف أمام وسائل الإعلام تفند ما يقوله البعض عن السعودية مستشهدة بالعائلة السعودية التي كانت تسكن بجوارها كونها ''أحسن جار رأته في حياتها''. ولرأيت الطالب الأمريكي يكتب رسالة للبيت الأبيض يستنكر فيها التعميم ووصف السعوديين كلهم بما لا يليق لأن أصدقاءه السعوديين كانوا مثالاً للمواطن الصالح الذي يحبه الجميع. ولرأيت البروفيسور يتصل بنائبه في مجلس النواب يطلب منه أن يخفف من هجومه على السعودية لأن الطلاب السعوديين الذين يدرسون عنده مثالاً لما يجب أن يكون عليه الطلاب الأمريكيون.
(3)
نظرة سريعة تبين نجومية عدد من الطلاب السعوديين الذين اشتهروا في أمريكا ووسائل إعلامها ثم أصبحوا نجوماً على مستوى العالم العربي. الشيء المشترك بين هؤلاء، رغم ندرتهم، أنهم تفاعلوا مع المجتمع الأمريكي وشاركوا في الأنشطة الجامعية وشاركوا المجتمع الذين يعيشون فيه آلامه وطموحاته فحازوا على إعجاب الجميع واكتسبوا مصداقية يحسدهم عليها بعض السفراء العرب لدى واشنطن. لماذا تميّز هؤلاء عن غيرهم؟ لماذا لا يتصرف الطلاب الآخرون مثلهم ويحذوا حذوهم بدلاً من اتخاذ موقف مضاد تماماً؟ إذا كانت هناك ''مؤامرة'' لتهميش الطلاب السعوديين كما يدعي البعض، كيف ''فلت'' هؤلاء من هذه المؤامرة؟
(4)
في محاضرة في مجلس العلاقات الدولية في مدينة سينسيناتي عن العلاقات السعودية الأمريكية بعد حادثة 11 أيلول (سبتمبر)، طلبت مسؤولة في وزارة الخارجية الأمريكية من الحضور أن يرفعوا أيديهم إذا كانوا يعرفون أي طالب سعودي في جامعاتهم. طالب واحد فقط رفع يده قائلاً إن هناك طالبا سعوديا في صفه ولكن لم يتكلم معه على الإطلاق. السائلة قالت إنها تحصل دائماً على هذا النوع من الإجابة حتى في الجامعات التي يتجاوز فيها عدد الطلاب السعوديين 300 طالب! ثم سألت الحضور إذا كانوا يعرفون أي شخص سعودي في منطقتهم، فجاء الجواب بالنفي. وكانت الصاعقة عندما سألت كم عدد الأشخاص الذين عملوا في السعودية فارتفعت الأيدي هنا وهناك! أين هم آلاف الطلاب السعوديين في الولايات المتحدة، ولماذا لا يشعر بهم أحد؟ هل تهميش الطلاب السعوديين نتيجة طبيعية لثقافة معينة أم أنه نتيجة، مقصودة أو غير مقصودة، لسياسات حكومية؟
(5)
إن كثيراً من الذين درسوا في الولايات المتحدة وبقوا فيها عدة سنوات لم يتأثروا بطريقة التفكير الأمريكية وعادوا إلى بلادهم وكأنهم لم يدرسوا في الخارج، لماذا؟ هناك العديد من حملة الدكتوراة الذين قضوا سنين طويلة في الولايات المتحدة، ومع ذلك عادوا إلى السعودية وكأنهم لم يكونوا في الغرب على الإطلاق، لماذا؟ وبالإمكان بالطبع توسيع هذه الفكرة لتشمل أمثلة أخرى: لماذا يتصرف بعض خريجي الولايات المتحدة و''أولادهم'' مثل غيرهم الذين لم يغادروا السعودية على الإطلاق، سواء في قيادة السيارة أو احترام إشارات المرور أو الوقوف في طابور الانتظار؟
إن الدراسة في الولايات المتحدة تتضمن أيضاً تعلم نظم الدول الراقية وأسلوبها في التعامل، ولا يقتضي ذلك العمالة لها أو التسامح معها. وتقتضي أيضاً وجود تأثير متبادل بحيث يتأثر الطالب ويؤثر، ومصيبة عدد كبير من المبتعثين أنه لم يؤثر ولم يتأثر. وإذا كان البعض يرى في ذلك ميزة لأسباب دينية فعليهم أن يتذكروا أن الدعوة هي وظيفة المسلم الأولى والأخيرة، وهذه الدعوة تقتضي أن يكون المسلم إيجابياً أينما كان. المسلم لا يرضى أن يعيش على الهامش، وهؤلاء الذين يعتقدون أن عزلة الطلاب السعوديين في الولايات المتحدة مفيدة فإنهم يحاربون الإسلام من حيث لا يعلمون. وإذا كان البعض يطالب بعزل هؤلاء الطلاب المبتعثين عن المجتمع الأمريكي خوفاً عليهم من الوقوع في الحرام بسبب صغر سنهم وجهلهم، لماذا يرسلونهم على كل حال؟
وللحديث بقية..