الهاتف المحمول وعلاقته بسرطان المخ وسرطان الدم (اللوكيميا) (1 من 2)
رغم التحذيرات المستمرة من مخاطر التدخين منذ أكثر من 50 سنة، إلا أن العالم لم يلتفت إلى خطورته، التي أكدت ارتباطه بسرطان الرئة. العالم اليوم أيقن بثبوت هذه العلاقة الوثيقة بين التدخين والسرطان. فهل ستلاقي التحذيرات الخاصة بالهاتف الجوال المصير نفسه الذي آلت إليه التحذيرات من التدخين؟ فلن يصغي الناس إلى هذه التحذيرات حتى يثبت يقيناً علاقة الهاتف الجوال بسرطان المخ وسرطان الدم.
يعد الهاتف المحمول من التقنيات العظيمة التي خدمت الإنسانية، وتجلى فيها قدرة العقل الإنساني على اختراع واكتشاف وتصميم أعقد الأجهزة. جهاز لا يتعدى حجمه بضعة سنتيمترات، ولكنه يؤدي خدمات لا يمكن للإنسان العادي تخيلها أو تصديقها قبل بضعة عقود. فأنت تستطيع أن تتصل بأي مكان وأن ترسل رسائل صوتية وصورا ورسائل مكتوبة، وأن ترسل وتستقبل البريد الإلكتروني، وأن تستخدمه كحاسب صغير، وكاميرا فيديو، وغير ذلك كثير.
تقنية الهاتف المحمول غدت جزءاً مهما من حياتنا، وازداد استخداماته مع زيادة التطبيقات التقنية، وأقبلنا على استعماله دون وعى لاحتمالية مخاطره الصحية. ولكل تقنية جوانبها الإيجابية والسلبية، وتعد التأثيرات الصحية الناجمة عن استخدامات الهاتف المحمول أحد الجوانب السلبية الخطيرة. فهناك تحذيرات ونصائح بخصوص استعمال الهاتف المحمول. فهناك من يحذر من استخدامه لفترات طويلة، وفي الأماكن العامة لأنه قد يعرض غيره للإشعاعات، وخصوصاً في حافلات النقل والفصول الدراسة، وألا نجعله قريبا منا أثناء النوم، فقد نتعرض للإشعاعات لفترات طويلة. لأن كمية الطاقة الممتصة بواسطة الجسم تتناسب طردياً مع فترة التعرض.
كذلك يجب عدم استخدامه أثناء ضعف الإشارة، أو بينما تقلنا المركبة – وخصوصاً عند السرعات العالية – لأن جهاز المحمول يحاول الإبقاء على الاتصال فيزيد من طاقته لتقوية الإشارة، وهذا بدوره يعرض منطقة الأذن لطاقة أعلى مما يجعل المستخدم يشعر بحرارة وصداع، وصدمات كهربائية خفيفة، قد نشعر بها أحيانناً في أسناننا أو عظمة الفك، أو قريبا من العين.
وقد أوضحت الدراسات أن الأشعة المنبعثة من الجوال والطاقة الزائدة لها بعض التأثيرات الضارة في صحة الإنسان، وتظهر أعرضها في صورة صداع وقلق نفسي مع الأرق الشديد – خصوصاً إذا استخدم الهاتف المحمول لفترة طويلة قبل النوم مباشرة، وعدم القدرة على التركيز، والشعور بالإعياء بصفة عامة. هناك دراسات على أشعة الميكروويف وتأثيرها في العين أثبتت أن التعرض لأشعة الميكروويف يمكن أن يكون له تأثير ضار على العين مثل الإصابة بمرض المياه البيضاء (كتاراكت)، وذلك عند التعرض إلى هذه الأشعة بكثافات عالية تصل إلى 100 ميللي واط/سم2.
هناك بعض المراكز الصحية الرائدة في أبحاث السرطان في الولايات المتحدة تبنت بعض التحذيرات وطبقت بعض النصائح والإرشادات التي تضمنتها مذكرة داخلية تم تعميمها على جميع الموظفين. قام رئيس معهد السرطان في جامعة بتسبرج بتوجيه مذكرة داخلية لموظفيه تضمنت نصائح وإرشادات بلغت صرامتها حد اقترابها من الأوامر، مبررا ذلك بأنها مبنية على النتائج الأولية لدراسات جارية حول السرطان. وبذلك طفا على السطح مرة أخرى الجدل المثار حول مخاطر استخدام الهاتف الجوال وأضراره. وقد ورد هذا الخبر في صحيفة "الجارديان" الأحد 27-7-2008م . ذكر أن الدكتور رونالد هريبرمان حذر موظفيه البالغ عددهم ثلاثة آلاف فرد، من الإفراط في استخدام الهواتف المحمولة، بسبب الخطر الذي يمكن أن تسببه الإشعاعات الصادرة منه على الدماغ.
اليوم هناك كثير من الأدلة العلمية المتزايدة التي تزداد يوماً بعد يوم وتدل على أن أشعة أبراج المحمول والأشعة الصادرة من المحمول نفسه، قد تتسبب في تأثيرات صحية سلبية، ومن ثم فإنه يجب على الجهات المعنية تمويل بحوث ودراسات ميدانية لكي نثبت أو ننفي علاقة أشعة الجوال بأمراض السرطان، والأمراض النفسية، والصداع والقلق، وغيرها من التأثيرات الجانبية. ينبغي أن تكون هذه الدراسات جيدة التصميم ومبنية على قياسات دقيقة لكثافة الطاقة، ومعدل امتصاص الجسم البشري للطاقة المنبعثة، وربطها بالأمراض التي قد تنشأ نتيجة لتعرض الجسم لهذا النوع من الموجات.
في المقال المقبل (إن شاء الله) سنناقش وبشيء من التفصيل آخر ما توصلت إليه الدراسات بهذا الخصوص، ومن ثم بعض التوصيات التي من شأنها تقليل مخاطر تعرضنا للسرطان.
عميد كلية الهندسة بالخرج وأمين الجمعية السعودية لهندسة الاتصالات STC.
[email protected]