هل ينقذ أوباما أمريكا؟

[email protected]

عكس فوز المرشح الديمقراطي باراك أوباما بمنصب الرئاسة فجر الثلاثاء الماضي، رغبة الأمة الأمريكية في التغيير وتطلعها إلى الإصلاح من أجل المحافظة على ما يمكن الحفاظ عليه من قوة ورفاه بلدهم. وعلى حد قول بعض المراقبين الغربيين، لم يكن أوباما فقط هو من يسعى للتغيير في أمريكا، بل إن النخبة في أمريكا، سواء اعترفت بذلك أم لا، كانت تريد تحولا عن الماضي لصالح البلد. والواقع أن الذين صوتوا لأوباما لم يكونوا أولئك الغاضبين على إدارة بوش والخائفين على رفاههم الاقتصادي فحسب، بل صوت له الحانقون على الجمهوريين بسبب حربي العراق وأفغانستان، وليس أدل على ذلك من تدني شعبية بوش إلى 27 في المائة يوم الانتخاب.
في آب (أغسطس) عام 2006 كتبت هنا مقالا بعنوان "زمن البشرية البائس" جاء إثر عنفوان الأحداث في منطقتنا مع العدوان الإسرائيلي على لبنان، وتوالي الانتكاسات المفجعة والسقوط الكبير الذي انحدرت فيه حكومة الرئيس بوش بتدخلها غير القانوني في العراق، وبممارساتها الفاضحة في سجن أبو غريب ومعسكرات جوانتنامو. قلت في ذلك المقال إن حكومة بوش تكيد لبلدها قبل أن تكيد لغيرها إن ظنت أن إعادة صياغة المنطقة، أو أي مكان آخر في العالم، ليسير وفق هواها، إنما يمر عبر القنابل وفوق الجماجم وعلى أشلاء الضحايا من النساء والأطفال والسكان المدنيين باستخدام أسلوب الفوضى الخلاقة المزعومة! وأنهيت تلك المقالة بالتذكير بما حذر منه عدد من عقلاء الغرب ومفكريهم من أمثال برتراند رسل، هكسلي، شبنجلر، إيمانويل تود، ونعوم تشومسكي، من أن مصيرا بائسا ينتظر البشرية إذا استمر رواد هذه الحضارة في هذا النهج المشين أخلاقيا وإنسانيا، حيث بدا في الأفق حينها أن العالم يشهد بداية إحدى نقاط التحول التاريخي.
وقد ثبت الآن فشل هذه السياسة العسكرية الحمقاء التي تضافرت مع السياسات الاقتصادية الفاشلة لتصل بالاقتصاد الأمريكي إلى أسوأ أزمة مرت بالأمة الأمريكية. وبات واضحا أن الأزمة المالية التي تفجرت داخل النظام الاقتصادي الأمريكي لم تتسبب في انهيار الثقة بالنظام المالي الدولي فحسب، بل في انهيار سمعة ومكانة الولايات المتحدة الدوليتين. وسيمر وقت حتى يسترد النظام العالمي تماسكه مرة أخرى.
لكن مكانة الولايات المتحدة لن تعود كما كانت! فهذا مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية مايكل ماكونيل يصرح أخيرا بأن انتقال الثروة العالمية والقوة الاقتصادية الجاري حاليا من الغرب إلى الشرق يجري بطريقة لا سابق لها في التاريخ الحديث، سواء من حيث الحجم أو السرعة. بينما نجد فرانسيس فوكوياما (ما غيره!) أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، الذي سبق أن بشر بنهاية التاريخ، يخرج علينا، ويا لسخرية القدر، ليقر في مقال له نشر في مجلة "النيوزويك" أخيرا، بأن الولايات المتحدة لن تستمتع بموقعها الاستبدادي الذي كانت تحتله بعد الآن. ويدلل على ذلك بضعف رد أمريكا على غزو روسيا لجورجيا في 7 من آب (أغسطس) الماضي. ويضيف أن قدرة أمريكا ستتضاءل على تحديد مسار الاقتصاد العالمي سواء من خلال المعاهدات التجارية أو عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وأن الأفكار والمشورة والمساعدات الأمريكية ستحظى في كثير من مناطق العالم، باستقبال أقل حفاوة مما كان عليه الوضع سابقا، بل إن فوكوياما وجد صعوبة في تصور الكيفية التي سقطت بها مصداقية النموذج الأمريكي الذي ساد بين عامي 2002 و2007، فيما كان العالم يتمتع بفترة غير مسبوقة من النمو، لكنه لم يجد بدا من الاعتراف أن الاقتصاد الأمريكي خرج الآن عن سكوته، وأنه يهدد بجر بقية العالم معه إلى الهاوية. وهو اليوم يرى أن المبالغة في المنهج الذي تبنته واشنطن منذ عهد الرئيس ريجان بتقليل التدخل الحكومي لأدنى مستوى ممكن، بدعوى أن هذا النهج سيحفز النمو الاقتصادي قد فشل الآن في تنظيم القطاع المالي وألحق ضررا كبيرا بالاقتصاد الأمريكي والعالم. تماما كما ألحق التدخل في العراق والممارسات اللاإنسانية الفاضحة في معسكرات جوانتنامو ضررا بالغا بسمعة أمريكا كدولة تدعي دعمها الديمقراطيات والحريات في العالم.
أما وزير الدفاع الأمريكي الأسبق وليام كوهين، فقد صرح بأن الشعب الأمريكي والعالم فقد الثقة بالنظام المالي الأمريكي، بسبب الفساد في إدارة الجهاز المصرفي، الذي جعل الناس يفقدون الثقة أيضا بالنظام الاقتصادي القائم على الحرية المطلقة. وأضاف أن الأزمة المالية الحالية كشفت للعالم أجمع أن الإدارة الأمريكية لم يكن لديها بُعد نظر! وأن عودة الثقة ستحتاج إلى وقت، ولكن لا أحد يستطيع أن يحدد المدة الزمنية اللازمة لذلك.
لدى أوباما فرصة ليكون أحد رؤساء أمريكا المميزين، إذا نجح في انتشال أمريكا من هذا المستنقع من المشكلات الاقتصادية والعسكرية. التحدي صعب، فهل ينجح؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي