لماذا لا يعمل سوق العمل بنفس آلية سوق السلع؟

[email protected]

يراعي المسوقون عند طرح أي سلعة جديدة في السوق أن يكون سعرها متناسبا مع مستوى المعيشة ونلاحظ أنه كلما ارتفع مستوى المعيشة بسبب زيادة دخل الأفراد ومعدل التضخم ارتفعت قيمة السلع بنسبة متقاربة مع نسبة ارتفاع مستوى المعيشة لتقوم بعد ذلك عملية المنافسة وقانون العرض والطلب بخلق التوازن المطلوب لضبط الأسعار، ومن المفترض كذلك أن تكون قيمة الوظيفة في سوق العمل هي الأخرى خاضعة لنفس الآلية والقانون آنف الذكر كما هو عليه الأمر في دول صناعية كثيرة في الغرب والشرق إذ نجد أن الأجور في هذه الدول ترتفع بنسب متقاربة لمعدلات التضخم لتتناسب مع مستوى المعيشة كما أنها أيضا تتأثر بقانون العرض والطلب، لكن الملاحظ أن الآلية التي يعمل بها سوق العمل لدينا مختلفة فالشريحة الأكبر من الوظائف في القطاع الخاص وبالتحديد التي لا تحتاج إلى مهارة كالعمال أو التي تتطلب عمالة ماهرة أو شبه ماهرة كفنيي الصيانة أو الوظائف الكتابية والخدمية فيكاد كل من يعمل في هذا النوع من الوظائف يتقاضى أجورا لا تتناسب مع مستوى المعيشة فإحصائيات التأمينات الاجتماعية تفيد أن 52.7 في المائة من المسجلين في التأمينات الاجتماعية أجورهم تقل عن ألف ريال.
إذا لماذا سوق العمل لدينا لا يعمل بالقانون الذي يعمل به سوق السلع نفسه؟
يبدو أن لدينا إجراءات إدارية وبعضا من النظم في القطاعين العام والخاص تعمل في اتجاه معاكس لوجود مناخ طبيعي لسوق العمل فتحول دون أن يصبح للوظيفة سوق شأنه شأن سوق السلع، حيث تتغير مستويات الأجور لكل الوظائف بجميع تصنيفاتها ارتفاعا أو انخفاضا بحسب الارتفاع أو الانخفاض في مستويات المعيشة ومعدلات التضخم وقانون العرض والطلب، ففي مقابلة مع جريدة "الرياض" بتاريخ 9/7/1429هـ قال رئيس لجنة قطاع الحراسات الأمنية في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، إن نسبة السعوديين المنقطعين عن العمل في مؤسسات الحراسات الأمنية تجاوزت 20 في المائة، وأوضح أن تدني مستوى الأجور هو العامل الرئيس لانقطاعهم عن العمل وعزى السبب في تدني أجور العاملين في الحراسات الأمنية إلى القطاعين العام والخاص كونهما يتجهان لاختيار السعر الأقل في المناقصات دون النظر بتمعن حقيقي لجودة الخدمة وكفاءة المؤسسات المتقدمة حتى أصبح الأمر أشبه بحرب أسعار انعكست على العاملين في المقام الأول، حيث تدنت الرواتب لأرقام مرفوضة، طبعا القطاع العام محكوم بنظام المنافسات والمشتريات الحكومية الذي يلزم المصالح والدوائر الحكومية بإرساء المناقصات على العرض الأفضل سعرا ولا يجوز استبعاد عرض بحجة تدني أسعاره إلا إذا قل بنسبة 35 في المائة فأكثر عن تقديرات الجهة الحكومية والأسعار السائدة، والقطاع الخاص يعمل بالمفهوم نفسه اختياريا. إذا بالنتيجة وفي ظل غياب حد أدنى للأجور أصبح نظام المنافسات والمشتريات هو الآخر يسهم بطريقة غير مباشرة في الضغط باتجاه تخفيض مستوى الأجور في سوق العمل.
من الملاحظ إن قضية تدني الأجور وما تتسبب به من عرقلة لخطط توطين الوظائف أصبحت من التعقيد، حيث يصعب علاجها ما لم تتم مراجعة أكثر من عامل يقيد سوق العمل ويمنعه من أن يكون في حالة طبيعية لينطلق ويسمح لكل أنواع الوظائف أن تحصل على الأجر العادل لها بما يتناسب مع مستوى المعيشة، فعدم وجود حد أدني للأجور ونظام المنافسات الذي يعطي الأفضلية للسعر الأقل في المناقصات ونظام الكفيل الذي لا يسمح للمكفول الانتقال للعمل في شركة أخرى إلا بموافقة الكفيل وتركيز القطاع الخاص في أعمالة على استقدام العمالة المتدنية الأجر أصبحت عوامل تسهم مجتمعة بدرجات مختلفة في تدني الأجور في سوق العمل لدينا، لذلك سيستمر العاملون في بعض الوظائف في القطاع الخاص في الحصول على أجور أقل ما يمكن وصفها به أنها تنتمي لسوق عمل آخر لكن بالتأكيد ليس سوق المملكة وهذا الأمر ملاحظ أيضا حتى في دول الخليج لتشابه الأنظمة والتطبيقات المعمول بها في هذه الدول، ويبدو أننا لن نلاحظ أي تحسن في مستويات الأجور لهذا النوع من الوظائف قبل أن يعاد النظر في هذه العوامل، حيث لا تصبح ذات تأثير سلبي في سوق العمل مما يسمح للآلية التي يتم بها تسعير الوظائف أن تعمل دون أي مؤثرات جانبية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي