"الريتش".. التزام اقتصادي بيئي دولي

في أعقاب الحرب العالمية الثانية وما سببته من دمار لكوكب الأرض، أصبح موضوع (حماية البيئة) هو الشغل الشاغل للمجتمع الدولي وظهر على الساحة الدولية العديد من المنظمات الحكومية وغير الحكومية، التي تدعو إلى ضرورة وضع معايير ومقاييس للحد من هدر عناصر البيئة الطبيعية وتلوثها والعمل على الحفاظ عليها من خلال التقيد بأنظمة صارمة وتشريعات ملزمة لخير البشرية وتطورها، ومن أبرز هذه الأنظمة نظام الإنتاج الأنظف أو ما يسمي أحيانا الإنتاج الأخضر للمنتجات الصناعية Cleaner (Green) Production، الذي يقوم على مبدأ الحصول على المنفعة المادية التي تغطي التكلفة دون إغفال حفظ البيئة وحمايتها، وبما يؤكد على التنمية المستدامة لمصلحة الأجيال الحالية والمقبلة، وكذلك النظام الصناعي البيئي Eco-Industrial system، الذي يرى أهمية تكامل المنظومة الصناعية والبيئة في دورة مغلقة مستمرة من خلال استخدام المنتج إما بتحويله إلى وقود حيوي وإما أسمدة أو مواد غير عضوية من المادة الأصلية يمكن أن يكون لها منفعة اقتصادية إضافية، مثال ذلك البلاستيك والورق وخلافه.
وفي ظل المستجدات الاقتصادية والسياسية على الساحة الدولية وظهور الاتحاد الأوروبي European Union (Eu) كمنافس للقوى الاقتصادية الكبرى أصبح لزاما عليه البحث عن أسلوب يضمن هيمنة الاتحاد على السوق الدولية وحماية منتجاته الصناعية والكيماوية ورفع مستوى تنافسيته دون إغفال الجوانب البيئية، وكانت البداية عام 2001م عندما قدمت المفوضية الأوروبية استراتيجيتها في ورقة عن سياسات الكيماويات المستقبلية التي ركزت رؤيتها على حماية صحة الإنسان والبيئة وتعزيز القدرة الابتكارية والقدرة التنافسية في الصناعات الكيميائية المنتجة في الاتحاد الأوروبي، وأعقب ذلك إعداد نظام ريتش REACH وهي اختصار لمجموعة محددات تعني تسجيل وتقييم واعتماد (إيجاز) وتقييد الكيماويات Registration, Evaluation, Authorisation and restriction of CHemicals (REACH).
وهذا يعني أن أي منتجات صناعية كيماوية يتم تصديرها للاتحاد الأوروبي لا بد أن تمر بأربع مراحل قبل اعتمادها بدءاً من مرحلة التسجيل ثم التقييم ثم الاعتماد أو تقييدها.
ولقد أُقر نظام ريتش من قبل البرلمان الأوروبي بعد سبع سنوات من الجدال والنقاش في حزيران (يونيو) 2007 ودخل حيز التنفيذ، ويرى معدو هذا النظام أن له منافع مرحلية، قد تمتد على عقدين كاملين. ويتضمن النظام الجديد (849 صفحة) مجموعة التشريعات والأنظمة المعمول بها منذ فترة بدء تاريخ الاتحاد والفترة المتوقعة، كما يحدد إنتاج واستخدام المواد الكيماوية وتأثيرها الفاعل على الإنسان والبيئة، ويحدد الالتزامات الواجب اتباعها وتكون ملزمة، ليس فقط على الصناعات الكيماوية، بل أيضاً على مستخدمي الكيماويات وموزعي المنتجات الصناعية الكيماوية، إضافة إلى التزامات موردي الكيماويات من الدول خارج الاتحاد الأوروبي non - Europeau union . وهذا البند الأخير هو حجر الزاوية في اعتماد شهادة هذا النظام التي يتم استخراجها مسجلة من قِبل الوكالة الأوروبية للمواد الكيماوية European CHemical Agency (ECHA) في مقرها في هلسنكي - فنلندا أو فروعها المعتمدة في أوروبا. وأن تكون هذه الشهادة ملزمة للدول التي تتعامل مع دول الاتحاد الأوروبي. مع العلم أنه لن يسمح بدخول أي منتجات من أي مصدر تدخل في صناعتها مواد كيماوية ما لم يتم توقيع بروتوكول للتعاون والحصول على الشهادة قبل كانون الأول (ديسمبر) 2008م، ومن ضمن الشروط الملزمة أن يتم توضيح كافة البيانات المتعلقة بخصائص المواد الكيماوية الداخلة في الصناعة - خاصة تلك المواد الخطرة المسببة للقلق Substance of very high concern، التي يمكن أن يكون لها آثار سلبية مباشره على الإنسان والبيئة، وأن يتم توضيح مجالات الاستخدام للمنتجات الكيماوية وأساليب تداولها، إضافة إلى كيفية التخلص من المخلفات.
الجدير بالذكر أنه على الرغم من وجود العديد من الدول التي وقعت على بروتوكول التعاون مع الاتحاد الأوروبي، إلا أن هناك بعضاً من الدول رفضت التوقيع على بروتوكول التعاون مع الاتحاد الأوروبي لمساعدة مصانعها للتسجيل في النظام الجديد "ريتش" واعتبرت ذلك نوعا من القيود غير المقبولة على صادراتها إلى دول الاتحاد، منها الولايات المتحدة، الهند، والبرازيل.
ويبقى السؤال: ما موقف الدول العربية من نظام ريتش بعد إقراره من البرلمان الأوروبي ودخوله حيز التنفيذ؟
من المعلوم أن قائمة المصانع العاملة في مجموعة الدول العربية تضم ما يعادل 30 ألف مصنع عامل على الأقل، وأن أكثر من نصف هذه المصانع تدخل في منتجاتها مواد كيماوية ولها استثمارات مشتركة وحصة من التصدير لدول الاتحاد الأوروبي.. ولقد قامت أخيرا بعض الدول العربية (منها مصر) بتوقيع بروتوكول للتعاون لمساعدة مصانعها في التسجيل لدى الاتحاد الأوروبي، ومازال المجال مفتوحا لانضمام دول عربية أخرى، والتأكيد على التزامها الاقتصادي البيئي في منتجاتها الكيماوية في النظام ريتش REACH، الذي يعنى لفظا باللغة العربية "الوصول" والتأكيد على التزامها الاقتصادي البيئي في منتجاتها الكيماوية وتوقيع بروتوكول التعاون. والمطلوب حاليا وضع برنامج للتعريف بهذا النظام ومساعدة الشركات الصناعية الكيماوية العربية لتوفيق أوضاعها والالتزام بالقواعد والضوابط المعمول بها للحصول على شهادة ريتش، أي بمعنى آخر الوصول إلى (الوصول) قبل انتهاء المهلة المحددة للتسجيل في نهاية عام 2008م!!!.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي