اللص الظريف

[email protected]

عندما يسرق الطفل، فلا شك أن أمراً كهذا سيصيب المجتمع وقبل ذلك أسرته بالقلق، انطلاقاً من تساؤل قائم فحواه : لماذا سرق؟ وكيف تعلم السرقة؟ وهل قصّرنا في حقه ليفعل ذلك؟يتبعها ألفاظ أخرى تصف الطفل بغير سوي أو "غير متربي".
ويبدو أن انتشار السرقة بين التلاميذ والتلميذات في المرحلة الابتدائية داء وجب الوقوف عنده. قبل البدء جدير بأن أذكر قصة رواها لي أحد المرشدين الطلابيين، يقول: بتنا نعاني في المدرسة من شكاوى كثيرة من سرقات تحدث أثناء دروس التربية البدنية، ثم تطورت إلى وقت الاستراحة، ولم نستطع أن نجد الفاعل، لكن بعد فترة غير قصيرة امتد الأمر إلى مقصف المدرسة،ووسط الدهشة والذهول كانت الأموال تتناقص من الصندوق الذي يضع العمال فيه التحصيل،يقول المرشد:
راقبنا، توجسنا، تابعنا .. لم نجد أي أثر.. شككنا في العمالة .. لكن ليس من بينهم.
كان هناك حل أولي أن يتم وضع المتفسحين على شكل طابور وتتم مراقبة الصندوق جيداً وخلال أسبوع لم تحدث أي سرقة، وبعد أن عادت الفوضى عادت السرقة .
هنا كان أحد المعلمين نبيها بحيث ركز على المنطقة السفلية المحيطة بالدرج أو صندوق المال، فوجد في ركنها فتحة بقدر إصبع الرجل البالغ .. وكانت البداية.. لتوضع الخطط والمخططات للكشف عن (أرسين لوبين) مدرسة جنوب الرياض.. اقتضت الخطة أن يوضع نوع من الصبغ الأخضر (البوية ) عند طرف الثقب، وترك الأمر لكل الأطفال أن يسرحوا ويمرحوا ويبتاعوا، ومن ثم وبعد الفسحة لوحظ أن يداً امتدت للصبغ، وتم البحث عن التلميذ ذي الإصبع المصبوغ، وتم إيقافه.
انتهت التوطئة أو حتى سموها (الفيلم الهندي)، لكن ما أنا بصدده هو عادات ومثالب نغض الطرف عنها حتى تستفحل، وحسبي أن سرقة الطفل لها أساس مرتبط بجيناته، فالفقير يسرق لكي يأكل، والمحروم يسرق لعب وأغراض غيره أو يسرق النقود ليبتاع بها ما حُرم منه،أو يكون الأمر فقط للتقليد أو إظهار الشجاعة .
أعود إلى المرشد الذي حكى لنا تلك الحكاية، ليؤكد أن الطفل الذي قام بذلك العمل، لم يكن من عائلة فقيرة، بل هي عائلة ميسورة وتصرف عليه بسخاء، لكن هناك علّة اتضحت من خلال الاتصال بعائلته ودراسة الأسباب التي دفعته لذلك، فقد كانت عائلته فقيرة من الناحية العاطفية، مقترة من ناحية التواصل فيما بينها، وعليه أراد هذا الطفل أن يظهر قيمة لنفسه من خلال اقتحام خصوصيات أو أملاك الآخرين، وكما قال المرشد لكي يثبت لنفسه أنه قادر على قيادتها في ظل غياب الأب وسلبية الأم.
وأقول وكلي ألم أن الوالدين هما اللذان يصنعان سلوك الأطفال وينميانه فيهم، ولا شك أن للمجتمع المحيط دور في ذلك، لكن يحدث هذا الدور في ظل غياب الرقابة الإيجابية مكان الوالدين.
فالطفل قماشة بيضاء طاهرة، يشكلها الوالدان كيفما شاءا، فإن أهملوها اتسخت وقد تتلف، وإن تابعاها واهتما بنظافتها وألقها نمت واستمرت .
الأطفال أمانة في رقابنا، فهل نحن قادرون على تحمل هذه الأمانة؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي