غرفة جدة وتوطين الوظائف

[email protected]

لم تأت اتفاقية الشراكة بين وزارة العمل والغرفة التجارية والصناعية بجدة لتوطين الوظائف وترشيد الاستقدام من فراغ. وإنما جاءت بعد أن تأكد للوزارة من واقع الأرقام أن سياستها القائمة على فرض السعودة لم تؤت ثمارها المرجوة. وبعد أن لاحظت الوزارة أيضا أن هناك جهودا متميزة قامت بها غرفة جدة استطاعت من خلالها تحقيق معدلات توظيف مشجعة وبرامج تدريب ناجحة، تتوافق مع ما كانت وزارة العمل ترنو إليه بضرورة اهتمام القطاع الخاص بمسألة التوظيف والتدريب.
إعادة غرفة جدة خلال السنوات القليلة الماضية ترتيب هيكلها التنظيمي لتجعل من توطين الوظائف إحدى مهامها الرئيسة. وكان من أهم إنجازاتها رعايتها 17 مسارا وظيفيا أدى لتوظيف 8917 شابا وفتاة. وخلال عامي 2007/ 2008 م، تم توظيف 419 شابا وفتاة من خلال برنامج المسارات الوظيفية المتخصصة. أما في مجال التدريب، فقد تم الاتفاق مع شركة فرنسية متخصصة لتقوم بتصنيف مراكز ومعاهد التدريب الخاصة بناء على معايير موضوعية معترف بها دوليا، إضافة إلى تأهيل المفتشين، وإعداد الحقائب التدريبية.
ولعل من التوجهات المحمودة التي أخذت بها غرفة جدة أخيرا، زيادة اهتمامها بمنسوبيها من صغار أصحاب الأعمال. فأنشأت لهم صندوقا للتكافل التعاوني يهدف لتخفيف المخاطر عن منشآت الأعمال الصغيرة من خلال خمسة برامج تراوح بين كفالة العائلة، ورعاية المعسرين، والإصلاح الودي الواقي من الإفلاس، وتمويل المنشآت الصغيرة، وكفالتها. وجميع هذه البرامج ناجحة وظيفيا وتجاريا.
ونظرا لأن قضية التوظيف والتدريب تقتضى تعاون الجميع، فقد أقامت غرفة جدة جسورا من التعاون المثمر مع مجلس تطوير الخدمات الصحية بمحافظة جدة. كما أقامت شراكة استراتيجية مع جامعة الملك عبد العزيز في مجال تقديم الاستشارات العلمية للقطاع الخاص، وربط مخرجات الجامعة بمتطلبات سوق العمل. ولديها أيضا تعاون وثيق مع مركز جدة لتنمية منشآت الأعمال الصغيرة لدعم شباب الأعمال الواعدين. كما تسعى لإنشاء مركز متخصص للمعلومات المتعلقة بمصادر الموارد البشرية الحالية والمستقبلية، وذلك بالتعاون مع الجامعات والمؤسسة العامة للتدريب والتأهيل الفني، ومعاهد التدريب الخاصة.
الجميل في هذا التفاهم الذي نجحت غرفة جدة في التوصل إليه مع وزارة العمل، هو قيامه على الواقعية وتبنيه لسياسات أكثر فاعلية. فجوهر هذه الاتفاقية يرتكز على تخلي وزارة العمل عن سياسة فرض السعودة فرضا جبريا، ومنح الغرفة صلاحية منح وتقدير حاجات مؤسسات القطاع الخاص من العمالة الأجنبية غير المتوافرة محليا. وهذا اعتراف بواقع الأمور، فقواعد العمل الخاص لا تسمح بفرض سياسات إجبارية تخالف منطق التكاليف في السوق. كما أن مكافحة البطالة هي مسؤولية الدولة بالدرجة الأولى. ومن ناحية أخرى، أصبح ظاهرا للعيان تراجع مساهمة بعض مؤسسات القطاع الخاص في برامج التنمية وعدم قدرتها الاستفادة من فترة الوفرة الراهنة، بسبب سياسة القيود الحديدية الصارمة التي فرضتها وزارة العمل على احتياجات القطاع الخاص من المهارات الأجنبية غير المتوافرة محليا.
ومما قوى من قناعات وزارة العمل بأهمية المضي قدما في هذه الشراكة مع غرفة جدة، المبادرات الخلاقة الناجحة والمتميزة في مجال التوظيف والتدريب التي تولى أمرها بعض المؤسسات الخاصة كمؤسسة عبد اللطيف جميل. فقد أمست إنجازات هذه المؤسسة تسابق الزمان، وغدت تقدم للمجتمع أرقى وأنصع وأنجح صور المسؤولية الاجتماعية، من خلال برامج توظيف وتدريب احترافية باهرة خلعته عليها من ردائها الإداري المتطور.
ولقد كان للنجاح المدوي لهذه الريادية " الجميلة " دور كبير في بث روح المسؤولية لدى مؤسسات أخرى، فرأينا البنك الأهلي التجاري يلتزم بهذه المسؤولية بعزيمة لافتة. وهو التوجه الذي طالما دعونا وناشدنا كيانات القطاع الخاص الكبيرة أن تنهض لتضطلع به، وخاصة البنوك وشركات المقالات الضخمة ( كشركة بن لادن، وسعودي أوجيه) وشركات أرامكو وسابك والاتصالات والكهرباء ونحوهم. بيد أن بعض الكتاب كانوا في وقت ما يعارضون الفكرة مدعين أن هذه الكيانات ليست مؤسسات خيرية، وأن طبيعة عملها التجاري لا يسمح لها الاضطلاع بهذه المسؤوليات. حتى قيض الله للمجتمع بعض أفذاذ الرجال من ذوي الهمم العالية، والعزائم الماضية، والقرارات الحازمة، فجمعوا أمرهم وألزموا أنفسهم طواعية رعاية حاجة المجتمع في مجال التوظيف والتدريب. وإنها لعمرك مسؤولية شاقة ينوء بها أولو العصبة من المقامات والمؤسسات، فكيف بآحاد الرجال ؟
شرعوا الأبواب، وافتحوا النوافذ، وانبذوا المركزية، وشجعوا مؤسسات المجتمع المدني لتشارك في التصدي لهموم الناس، ولتسهم في وضع حلول لمشكلات المجتمع دون وصاية أو إجبار أو معارضة لقوانين السوق، وسترون إنجازات أفضل ومشكلات أقل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي