ليست أزمة السودان وحده

[email protected]

حسنا فعل السودان حينما شكل لجنة لإدارة الأزمة مع محكمة الجنايات الدولية لمواجهة توجيه مدعيها العام تهم جرائم الحرب والإبادة الجماعية للرئيس عمر البشير, بدلا من مواجهتها بالضجيج العاطفي والإعلامي وحتى السياسي, الذي لا طائل من ورائه في مثل هذه الأزمات, فما يواجهه ليس فقط السودان بل دول العالم الثالث تحديدا هو أزمة جدية وخطيرة وبالغة الحساسية وليس مجرد تهويش يمر مرور الكرام, فالمدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية لم يقدم على هذه الخطوة المعلنة دون أن تكون الأمور مرتبة بحيث تأخذ خطى متصاعدة, فما نراه ما هو إلا قمة جبل الجليد.
بداية نجاعة مواجهة هذه الأزمة هي أن يدرك السودان ورئيسه فعلا أنهم يواجهون أزمة حقيقية وصعبة لا يكفي معها الاعتراض ورفض الادعاء أو الإعلان عن عدم الاعتراف بالمحكمة وقراراتها, بل لا بد من التحرك إلى الأمام ومواجهة الخطر في منتصف الطريق بدلا من انتظاره, وتشكيل السودان هذه اللجنة خطوة أولى سليمة وعملية لكي يتعامل معها بعقلانية حتى يتمكن من مواجهتها بحنكة ومقدرة, وهذا يتطلب من السودان الشقيق أن يجند خبراءه القانونيين والسياسيين مستعينا بخبرات عربية بل خارجية إذا لزم الأمر لإعداد فريق قانوني يكون قادرا على تفنيد ادعاءات المدعي العام من ناحية, والقيام بحملة دبلوماسية تحشد خلفه موقفا سياسيا عربيا وإفريقيا وإسلاميا من ناحية أخرى, مركزا على أن ذلك الاتهام مبني على خلفية سياسية أكثر مما هي قانونية. وهنا على السودان أن يقدم لحلفائه المستندات التي تثبت بطلان الاتهام قانونيا وما أكثرها إن عولجت بمهنية قانونية.
واجب مساندة السودان عربيا وإفريقيا وإسلاميا بل على امتداد العالم الثالث في هذه القضية ضرورة مصيرية وليس فقط دفاعا عن الرئيس السوداني, وموجبات ذلك هي حتى لا تكون هذه سابقة ترسخ في التعامل الدولي بحيث يصبح اتهام رؤساء الدول وجلبهم لعدالة دولية من المؤكد أنها محل شك وانعدام ثقة بها, عملية سهلة غير مستندة إلى أدلة قانونية واضحة ودقيقة وقطعية, والأهم من ذلك مما يجب التنبيه له هو للجم توجه دولي واضح أنه يجد دعما من خلف الستار من قوى دولية كبرى هي المهيمنة والمسيطرة اليوم على القرار الدولي, يسعى بطرق خفية إلى توظيف هيئات ومؤسسات لها صبغة دولية من أجل إسقاط وإلغاء سيادة واستقلال الدول باستخدام قوانين حقوق الإنسان وتهم الجرائم الإنسانية ولكن بانتقائية سياسية لإدانة رأس الدولة مباشرة وهو ما سيفقد فعلا الدول الصغرى ممارسة سلطاتها داخل بلدانها خوفا من أن تتهم من قبل مثل هذه المحكمة الدولية بتهم جرائم حرب وإبادة جماعية, أو إيجاد أي مبررات ذات صبغة قانونية وإنسانية تستخدمها مع عملية تضخيم دعائي وإعلامي وسياسي لجلب أي حاكم دولة لعدالة دولية فاقدة الثقة.
السؤال الذي يجب أن يوجه لمحكمة الجنايات الدولية ولمدعيها العام وهو يستخدم تهم جرائم الحرب والإبادة الجماعية هو: هل السودان وحده من دول العالم اليوم الذي ارتكبت فيه مثل هذه الجرائم الفظيعة والمدانة فيما لو صحت وثبت من ارتكبها؟ ثم ما تعريف المحكمة ومدعيها العام القانوني والإنساني وتحديدهما أركان جرائم الحرب والإبادة الجماعية؟ وهل ينطبق ذلك التعريف مثلا على مقتل مليون عراقي على مدى سنوات غزوه واحتلاله من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا؟ وعلى إبادة ومحو قرى بكاملها في أفغانستان بقصف جوي وحشي وسجن وحصار شعب كامل في غزة والضفة الغربية وحرمانه من الغذاء والدواء، والقتل والاعتقال اليومي لأبنائه؟ أم أن هذه مدرجة ضمن مبررات الحرب على الإرهاب في حالتي العراق وأفغانستان والدفاع عن النفس في الأراضي الفلسطينية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي