الرجوع إلى الصواب فضيلة
ربما جاء اقتناع وزارة العمل بعدم جدوى سياسة فرض التوظيف الجبري على مؤسسات القطاع الخاص، وتوصلها لتفاهم مع غرفة تجارة جدة لرعاية وتبني برامج توظيف وتدريب العاطلين، فضلا عن منح الغرفة صلاحية تقدير احتياجات أصحاب الأعمال من العمالة الأجنبية، واحدا من أهم تطورات الشأن الاقتصادي المحلي في النصف الثاني من العام الجاري ! ولو كتب لهذا التفاهم النجاح، فسيكون بمثابة منعطف تاريخي في أسلوب تنظيم التعاون بين القطاعين العام والخاص في مجال مكافحة البطالة وترشيد استقدام العمالة الأجنبية.
لكن هل يمكن، من الناحية العملية والإدارية، تصور قيام الغرفة التجارية بمهمة التوفيق بين هدفي التوظيف والاستقدام بطريقة أكثر كفاءة من الجهاز الإداري لوزارة العمل؟
نعم، في تصوري هذا ممكن، لكن بشرط أن يتم ذلك من خلال إطار تنظيمي تحكمه معايير موضوعية واضحة للجميع، وتعقيدات إجرائية أقل، ومنظومة تتصف بشفافية أكثر، وانضباط رقابي أكبر، من تلك التي تتصف بها عادة الأجهزة الحكومية! ولهذا ناشدت أخي الأستاذ صالح التركي رئيس غرفة جدة، توخي أقصى درجات الانضباط الإداري. لأن نجاحهم سيؤسس لانطلاق فلسفة إدارية جديدة سيعم خيرها أرجاء البلاد، ويمكن أن يتلوها مفاهمات وترتيبات أكثر. فيما سيكون إخفاقهم - لا قدر الله - بمثابة نكسة قاسية ستكرس فكرة سيطرة البيروقراطية الحكومية على تنظيم النشاط التجاري والصناعي. كما أكـَد أخي الأستاذ فهد المقيرن، أنه لن يكتب لمثل هذه المبادرات النجاح، إذا لم نجعل الشفافية المطلقة نبراسا لأعمالنا وتنظيماتنا ومؤسساتنا. فبدونها ستتعثر الجهود، وبغيابها ستتحطم الآمال على صخور الفساد.
دلت التجارب على أنه كلما قل تدخل الأجهزة الحكومية في تسيير مصالح الناس التجارية - إلا فيما لا مندوحة عنه - كان ذلك أنفع وأفضل. ولذلك سررت جدا من فلسفة وزير الشؤون الاجتماعية الجديد الدكتور يوسف العثيمين، عندما أجاب على تساؤل الأستاذ أحمد حسن فتيحي في الحفل التكريمي الذي أقامه للوزير الشيخ عبد الرحمن فقيه في مكة المكرمة أخيرا، عما إذا كان لدى الوزارة خطط لتوسيع جهازها الإداري لمواجهة زيادة حاجة المجتمع لنشر مظلة برامج الضمان الاجتماعي في طول البلاد وعرضها لتشمل أكبر عدد ممكن من المحتاجين؟ فكان جواب الوزير أن العكس هو ما يؤمن به ويسعى إليه. إنه ينشد تقليص جهاز الوزارة الإداري لأدنى حد ممكن بقصر نشاط الوزارة على المهام التخطيطية والإشرافية، ونقل المهام الإجرائية للجمعيات الخيرية ذاتها في المناطق التي تعمل بها. فالقائمون على أمر هذه الجمعيات، هم أقدر على معرفة صنوف المحتاجين وأعدادهم وتقدير حاجاتهم، من جهاز الوزارة نفسه. إذ شجعت ثورة الاتصالات وأنظمة المعلومات والتطورات المتلاحقة التي نلمسها اليوم في أجهزة الحواسيب وأنظمتها التشغيلية، على ربط الجمعيات الخيرية بمركز المعلومات الوطني، الأمر الذي رفع من مستوى كفاءة إدارة هذه الجمعيات.
لن يكون لبرامج التنمية ولا للاعتمادات المالية الضخمة أية معنى من وجهة نظر عموم الناس، إذا لم يعمهم خيرها، وإذا لم تسهم في حل مشكلاتهم. المجتمع سيرحب بأية ترتيبات تتسم بكفاءة أكبر لتقليص البطالة بين أبناء الوطن، وترشيد أكثر للاستقدام دون تعطيل لدور القطاع الخاص في مسيرة التنمية، أو إجباره على تحمل مسؤوليات هي من صميم عمل الحكومات. الرجوع إلى الصواب فضيلة! تحية لشجاعة الوزير غازي القصيبي، وتهنئة صادقة للقائمين على غرفة جدة، لكن الكل ينظر ماذا أنتم فاعلون! وللحديث صلة.