إنه الكاتب الحقيقي للعصر

[email protected]

إنه الكاتبُ الحقيقيُّ للعصر
وغيرهُ الحجابُ والأُجراءُ
يا ترى من يستحق مثل هذا البيت العظيم؟ إنه ينطبق على قلةٍ من قادة العلم والرأي وأصحاب القلم، من مفكرين وعلماء وشعراء وكتاب وإعلاميين، ولكن يا ترى هل نحن نكتب ما يستحق أن يُقرأ؟ وهل كتبنا ما نفخر أمام الأجيال القادمة؟ ولماذا نكتب؟ ومن نستهدف؟ وهل نحن نكتب ما نريده فعلاً؟
إنني أتساءل أكثر عن الكاتب الاقتصادي ومدى إدراكه بأن ما يكتبه ربما يؤثر في قطاع بأكمله أو في سعر أسهم عدد من الشركات، وهل يكتب لأجل الكتابة أم لأجل المصلحة العامة أم لأجل من؟
عندما يكتب كاتب عن انهيار قريب للقطاع العقاري الذي لم يسبق له أن انهار على مدى تاريخ المملكة، وعندما يكتب كاتب عن متوقع خسائر لقطاع معين، ألا يعلم أنه ربما يؤثر في انخفاض أسهم شركات القطاع، وأنا هنا لست أريد من أحد بأن لا يقول الحقيقة، ويقدم رؤيته، ولكن هل الكتاب يقومون بعملية بحث واطلاع على التقارير والدراسات والتصاريح والأخبار حول الجانب الذي يريدون الحديث عنه؟ إن كبار الكتاب والمؤلفين في العالم لديهم باحثون متخصصون يسهلون لهم عملية البحث والفرز عما يريدون الكتابة عنه، ويناقشونهم فيما يكتبون ليكون الكاتب متأكداً من صحة وجودة ما يكتب.
أذكر أنني عندما كنت طفلاً وأقع في مطب سؤالٍ صعب في امتحانات المرحلة المتوسطة كنت أتساءل بيني وبين نفسي: أليست الإجابة الصحيحة تتكون من حروف اللغة العربية الثمانية والعشرين؟ إذاً لو رتبتها بطريقةٍ صحيحة سأحصل على الدرجة الكاملة ولو رتبتها بطريقةٍ خاطئة سأحصل على صفر! فما هو السر في ذلك؟!
وعندما كبرت أكثر وقرأت آراء العلماء حول المغزى من ذكر "أل م، ن، ك، هـ، ي، ع، ص" في القرآن الكريم والقول الراجح في أنها تحدي للعرب بأن هذه هي بضاعتكم أي حروف اللغة العربية ولكن من منكم يستطيع تركيبها كالقرآن وكلنا على يقين بأنه لو اجتمعت الإنس والجن على كتابة آية واحدة من مثل القرآن فلن يستطيعوا، ذلك لأنه كلام الله سبحانه وتعالى، ولكن على المستوى البشري هنالك شعر المتنبي، وهنالك أيضاً كلام ركيك يدَّعونَ أنه شعر كالذي يقوله مستر شعبولا ورفاقه من مطربي وشعراء هذه الأيام بالرغم من استخدامهم للحروف العربية التي استخدمها أبي الطيب! إذاً "العبرة ليست بما تملكه ولكن بما تقدمه"، فهنالك خبراء اقتصاديون وعلماء في التاريخ وعلماء في الشريعة يمتلكون في عقولهم من المعلومات ما لا تحمله المكتبات، ولكن كم عدد الذين قدموا منتجاً يستحق الاحتفاء وكم عدد الذين أفادوا الناس بعلمهم ولو كان بسيطاً مقارنةً بهؤلاء الذين يحفظون أمهات الكتب؟!
فلو نظرنا إلى وارن بوفيت أغنى رجل في العالم اليوم والكتب التي كتبت عن فكره ورؤيته الاستثمارية أو تأملنا في مؤلفات جاك ويلش ومنهجه في إدارة الأعمال لوجدنا أن لديهم علماً مفيداً عملياً واضحاً له أعظم الفائدة في عالم القيادة والأعمال مما لم تقله أمهات الكتب في الإدارة والاقتصاد، ولو تأملنا إلى ما أنتجه الدكتور طارق السويدان من مؤلفات وأشرطة أو برامج تلفزيونية كعمرو خالد لوجدنا بأن ملاييناً من الناس قد استفادوا فائدةً جليلةً لا تقدر بثمن، حيث لم يكن غير العلماء وطلبة العلم من الناس يعرفون السيرة النبوية وقصص الأنبياء عليهم السلام والصحابة وغيرهم من العظماء كما يعرفونها اليوم!
إن عدداً من الأصدقاء قالوا لي: لماذا تكتب؟ وهل تظن أن أحداً يسمع؟ وهل تظن أن قراراً سيصدر بناءً على مقال؟ والكثير من الأسئلة المحبطة، فبدأت أتساءل بيني وبين نفسي ذاهباً إلى عصر "رواد متذكراً بأنه صدرت الكثير من القرارات والمبادرات الناتجة عن تأثير مقالات كتبها والدي، حفظه الله، ومقالات لعددٍ من كتاب جيله "في عصر صحافة الأفراد وبداية عهد المؤسسات"، وذلك يدل على أن هنالكَ من يسمع وينفذ ولكن يجب أن تكون الاقتراحات لصالح الوطن وليست لمصالح شخصية، وأن يكون الاقتراح منطقياً وقابلاً للتطبيق ويتوافق مع الأولويات في حينه.
ثم تجولت مع مخيلتي أكثر إلى عدد من مكاتب صحف اليوم، وفرق العمل التي تعمل ليلاً ونهاراً للخبر والرأي والتقارير وأيضاً لتلميع فلان، وركل عِلاَّن لوضع مكانه إعلان! وذلك الصحافي الذي يبحث عن المكافأة قبل الخبر أو التصريح رغم أن مهمة صحيفته نشر ذلك التصريح! ثم تسللت إلى ذلك المكتب الفاره لرئيس تحرير تلك الصحيفة الخيالية، وفي مخيلتي أيضاً صورة عبد الله عريف رئيس تحرير جريدة "البلاد" "أول صحيفة سعودية"، وهي في بداياتها حينما وصفه لي حيث كان يجلس في دكان صغير في مكة يتابع صف الحروف للطباعة!
وكاتب اليوم الذي يجلس على مكتبه الوثير، ليشطح بعجائبه عبر لمسات على الكيبورد على جهاز "أبل" حتى إن بعضاً من الكتاب يظن أنه في كلمة واحدة يستطيع تغيير العالم! وأنه من واجب الأرض أن تحتفل بسيره عليها كما يقول أبي الطيب أيضا!
لذلك، وكل ما أتمناه أن نعيد التفكير فيمن نسميِّهم كتاباً ومفكرين وعلماء ونفرد لهم الصفحات، كما آمل أيضاً أن يدرك معشر الكتاب وأصحاب القلم أن العبرة بالفائدة، وأن يتم التحضير للكتابة من خلال عملية بحث واطلاع على الآراء والتقارير والكتب والدراسات والواقع أيضا، ولننظر للأمور بشمولية أكبر، ولنستفد ممن سبقونا، ولنقدم جديداً بلغة عصرنا عبر مخاطبة الناس بما تدركه عقولهم وبما يحتاجون إليه ويفيدهم، وكل ما أخشاه أنني دخلت في هذه المقالة إلى "عش الدبابير" أو كأنَّ صوتاً من بعيد يقول منشداً:
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيَّاً
ولكن لا حياةَ لمن تُنادي!

*كاتب ورجل أعمال

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي