قراراتنا .. بين سندان الحديد وجدران الأسمنت!

[email protected]

تقوم وزارة التجارة والصناعة بإعطاء الموافقة المبدئية لتأسيس 30 مصنع أسمنت، ثم يقوم المجلس الاقتصادي الأعلى بإيقاف هذه التراخيص المبدئية وتشكيل لجنة لدراسة الوضع، ثم تتعطل مليارات الريالات التي رصدت لتأسيس هذه المصانع، ثم تتم الموافقة على عدد من هذه المصانع والإعلان بأنه سيتم طرح مزايدة على ثلاث رخص إضافية لمن يدفع أكثر! وعندما حدثت أزمة أسمنت بسبب زيادة الطلب، نصدر قرارا لوقف التصدير، ثم تزيد الشركات القائمة إنتاجها، ثم نسمح بالتصدير، ثم ترتفع الأسعار! ثم نعود لنوقف التصدير! ثم تنخفض أسعار أسهم هذه الشركات! ثم نشكل لجنة للسماح بالتصدير ولكن بشكل مقنن ومنظم كي لا تخسر الشركات التي تسببنا في خفض أسعار أسهمها!
وفي الوقت نفسه هنالك أزمة حديد بسبب ارتفاع الطلب، عطلت المشاريع، فقمنا بتشكيل لجنة لدراسة الوضع، وذلك لأن أسعار الحديد ارتفعت إلى الضعف خلال فترة زمنية قصيرة، ثم يخرج لنا كلام بأنه حتى رئيس "سابك" لم يجد حديداً لبناء منزله! ثم نمنع تصدير الحديد، ونشكل لجانا ميدانية لإجبار الشركات التي تكدست مستودعاتها بالحديد على البيع، ثم لا ينخفض الحديد!
ولسان حال المواطنين يقول: إلى متى ونحن نتخبط هكذا؟ فحالنا أصبح كالمثل الشعبي الذي يصف قطعة القماش "ترقعها من هنا، وتنشق من هناك"، فمثلاً سعر الحديد في استطاعتنا تخفيضه إذا قمنا بدراسات معمقة ودقيقة من خلال شركات متخصصة عن الطلب المتوقع خلال الـ 20 عاماً المقبلة، وعن التكلفة المتوقعة للمواد الخام والتصنيع والتسويق، وبناءً على نتائج الدراسات تقوم الشركات والمصانع بزيادة إنتاجها عبر التوسعة والتأسيس، وذلك خلال العامين المقبلين، ويتم عمل تسهيلات لاستيراد الحديد، فعندها سينخفض الطلب من جهة للذين سيؤجلون مشاريعهم حتى ينخفض السعر، وسيزداد المعروض بسبب الحديد المستورَد والمعروض المستقبلي، وبسبب انخفاض الطلب قصير الأجل الذي سيكون مساهماً رئيسياً في انخفاض السعر.
الحقيقة أننا سنظل نتخبط في قراراتنا التي نعتزم من خلالها حل مشكلاتنا ولكننا نزيد المشكلات تعقيداً بين قرار لحل مشكلة ثم تشكيل لجنة لتعديل القرار الذي أحدث مشكلةً أخرى! ثم تشكيل لجنة لدراسة وضع اللجنة!
والحقيقة أنني بدأت أتساءل: هل اللجنة شيء سلبي؟ وهل نحن تحولنا إلى عميان في طريقٍ مزدحم؟!
ولماذا يحدث لنا كل هذا؟ والجواب،، لأننا لا نعمل من خلال خطط مبنية على دراسات تتضمن الحاجات والتطلعات.
ولنا أن نتساءل عن مدى إدراكنا حجم الطلب على الوحدات السكنية خلال الـ 20 عاماً المقبلة؟ وهل لدينا معلومة عن حجم الطلب المتوقع على الأسمنت والحديد خلال الـ 20 عاماً المقبلة؟ وماذا عن أعداد الشباب والفتيات الذين سيتوجهون إلى الجامعات؟ ماذا عن الوظائف؟ وهل نعي كم عدد السيارات التي ستسير على طرقاتنا خلال الـ 20 عاماً المقبلة؟ وماذا عن أهم مصدر دخل لنا "النفط" كم سيكون حجم الطلب عليه؟ وهل بدأنا الاستثمار في الطاقة الشمسية واستغلال الشمس الحارقة في صحراء الربع الخالي؟
ولو كان الإعداد والتطبيق سليمين بالنسبة للخطط الخمسية التي تعدها وزارة الاقتصاد والتخطيط فلماذا تحدث لدينا أزمة سكن؟ ولماذا تحدث أزمة أسمنت وحديد؟ ولماذا توجد بطالة؟ ولماذا يحدث انهيار في سوق الأسهم؟ فالواقع يقول إن الخطط الخمسية لا تلبي الحاجات والتطلعات، وذلك لأنها ليست خططا استراتيجية للسعودية بشكلٍ عام مبنية على دراسات شاملة ومتخصصة تتضمن الحاجات والأهداف، لتبنى عليها خطط للقطاعات الحكومية والخاصة، تتضمن مؤشرات أداء وصلاحيات لوزارة الاقتصاد والتخطيط نفسها أو لجهة أخرى تخولها محاسبة مَن لا يلتزمون بتنفيذ الخطة أو من يقومون بجهلٍ منهم بإصدار قرارات تعيق تنفيذ الخطة الشاملة لهذه البلاد الغالية.
إنني أرى النور والمستقبل المشرق في الكثير من القرارات والمشاريع والمبادرات، من المدن الاقتصادية والصناعية، والهيئات الحكومية المنظمة، وفتح المجال بشكل أكبر من السابق للقطاع الخاص، ولجان شباب الأعمال، وصندوق الموارد البشرية، ومشروع تطوير التعليم، ومشروع تطوير مرفق القضاء، فكل هذه يقول لنا ظاهرها "إننا نسير في الطريق الصحيح إلى العالم الأول"، والوقت نفسه فالكل يرى الخط الآخر من بيروقراطية الأجهزة الحكومية، وضعف مخرجات التعليم، والقرارات المتخبطة بين سندان الحديد وجدران الأسمنت، وغيرها كثير من التي تقول لنا أيضاً "إننا نسير في الطريق الصحيح إلى أدنى درجات العالم الثالث"، والواجب علينا التسريع من عجلة المركبة البطيئة التي تسير بنا في اتجاه العالم الأول، التي تحتاج إلى قرارات شجاعة تحولها إلى مركبة نفاثة، وفي الوقت نفسه علينا وضع ملايين العصي والعراقيل في عجلة المركبة السريعة التي تسير بنا إلى قاع العالم الثالث، وبإمكاننا التأمل في هذه القصة القصيرة التي اقتبستها من مدخل كتاب رؤيتي لمحمد بن راشد آل مكتوم حيث يقول "مع إطلالة كل صباح في إفريقيا يستيقظ الغزال مدركاً أنَّ عليه أن يسابق أسرَع الأسود عدوْاً وإلا كان مصيره الهلاك، ومع إطلالة كل صباح في إفريقيا يستيقظ الأسد مدركاً أن عليه أن يعدو أسرع من أبطأ غزال وإلا أهلكه الجوع، لا يهم إن كنتَ أسداً أو غزالاً، فمع إشراقة كل صباح يتعين عليك أن تعدو أسرع من غيرك حتى تحقق النجاح".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي