أوباما الحصان الأسود

[email protected]

سبحان مغير الأحوال والانتقال من حال إلى حال، فقبل سنوات قليلة كان الحظر المفروض على السود في أمريكا يتجاوز كافة الأعراف والمواثيق، فهم طبقة مضطهدة ليس لها حقوق كاملة في المواطنة الأمريكية، ومدارسها وكنائسها مختلفة، كما لا يسمح لأصحاب البشرة السوداء بارتياد المطاعم الفاخرة، ولعل قصة أول أمريكية سوداء ترفض التنازل عن مقعدها في المواصلات لرجل أبيض كانت إحدى الشرارات التي أثارت حقوق المواطنين السود في أمريكا، كما قاد الشاب مارتن لوثر كنج ثورة سلمية لإعطاء السود حقوقهم وتغير الاسم الذي يطلق على أصحاب البشرة السوداء من أسود إلى إفريقي أمريكي إلى أسماء أخرى بين هذا وذاك، وتفوق الكثير منهم في أعمالهم سواء في الدراسة أو الطب أو الألعاب الرياضية والتمثيل، فنذكر سامي ديفز، عائلة جونسون، بل كوسبي، القس جسي جاكسون، الممثل الشهير أدي ميرفي، الملاكم محمد علي كلاي، تايسون، الرياضي تايقرود، لاعبي السلة والكرة الأمريكية المشهورين وآخرين، والكثير جدا داخل الولايات المتحدة وخارجها لم يحلموا يوما بأن يكون لهم مرشح أسود يدق أبواب البيت الأبيض، فقد كان السير بجوار أسوار منازل البيض أحد المحذورات الكثيرة على أصحاب البشرة السمراء.
إن تفاعل أمريكا مع الأعراق المختلفة يدعو إلى الدهشة والإعجاب، ولولا ما تعرض له المواطنون الأصليون من الهنود الحمر من إبادة جماعية وتمييز عرقي لضربنا لأمريكا السلام ولمنحناها الوسام في الوئام الاجتماعي، أوباما هو نتاج الثورة الثقافية والعرقية والأخلاقية التي انطلقت في الستينيات والخمسينيات لإعطاء السود حقوقهم الأساسية، وكذلك معارضة حرب فيتنام. والحقيقة أن وصول باراك أوباما إلى هذه المرحلة المتقدمة بأن يكون المرشح الوحيد للحزب الديمقراطي، وأن يقف خلفه الكثير من أعمدة الديمقراطيين، وكان آخرهم المرشح الرئاسي السابق آل جور، الذي دعا إلى دعم براك أوباما والتبرع له، وانتقد ما يدعيه المنافسون من قلة خبرته وصغر سنه، وقال لديه في الجانبين ما يكفي ليصبح رئيسا، ووجه وسيلا من الاتهامات إلى الرئيس بوش وإدارته، وقال "حتى القطط والكلاب أصبحت تعرف أخطاء هذه الإدارة". إن التاريخ يصنع في الولايات المتحدة لنجاح المواءمة الاجتماعية والانصهار العرقي والتنوع الثقافي. لقد أصبح المستحيل ممكنا مع وصول أول مرشح أسود إلى هذه المرحلة المتقدمة، يحمل الحزب الديمقراطي في مؤتمره القادم هذا المرشح الأسود إلى سدة الرئاسة، فذلك ممكن بنسبة تقارب 50 في المائة مع مرشح الحزب الجمهوري ماكين، الذي يملك الخبرة الطويلة في الكونجرس والخبرة العملية في أن يكون ضابطا خدم الجيش الأمريكي، وقضى سنوات في السجن أسير في فيتنام.
والعجيب في الأمر أن ذلك السجن يطلق عليه فندق هيلتون للتسلية، وأن حضور أوباما القوي ورغبته في التغيير ومعارضته حرب العراق واتجاهه إلى كسب الأصوات المختلفة لكل الأعراق، ويأتي في مقدمة مؤيديه الشباب والسود وأصحاب الياقات البيضاء، أن السيد باراك أوباما اخترع شعارا اسماه التغيير، والحقيقة أن التغيير يتم جذريا في أمريكا، فلم يكن من الأحلام في السابق أن يصل مرشح أسود إلى هذه المرحلة المتقدمة بالانفراد بالترشيح للحزب الديمقراطي بعد سقوط المنافسة الشرسة هيلاري كلينتون وانسحابها من السباق، وطالبت بمساندة المرشح أوباما، وبالرغم مما تتعرض له سيرة السيد باراك حسين أوباما من اتهامه بأنه مسلم فوالده حسين أوباما مسلم من كينيا تعرف على والدته في جزيرة هاواي، وهي أمريكية بيضاء من كنساس وهو أسود البشرة باسم حسين أوباما من كينيا – عاد الوالد إلى كينيا بعد إكمال دراسته، أما الأم البيضاء فقد واصلت تربية ابنها باراك أوباما، ويصف أوباما والدته بأنها كانت مخلصة لقيمها الروحية والليبرالية، وقد تزوجت مسلما آخر من إندونيسيا وانتقلت للعيش في إندونيسيا، حيث عمل زوجها في الجامعة وعملت هي في الجامعة، ولها نشاطات اجتماعية أخرى في إندونيسيا، وبلغ باراك سن الدخول إلى المدرسة ودخل مدرسة إسلامية في إندونيسيا ظلت الصحافة الغربية المغرضة تدعي أنه مسلم، حيث إن هذه المدرسة للمسلمين فقط، ولكنه عمد في كنيسة في أمريكا، حيث عاد إليها بعد أن قضى أربع سنوات في إندونيسيا مع والدته، وقد درس العلوم السياسية في جامعة كولومبيا في نيويورك لمدة ثلاث سنوات، عمل بعدها في الخدمة الاجتماعية في شيكاغو قبل أن يلتحق بجامعة هارفرد لدراسة القانون، وقد رأس مجلة القانون التي تصدرها جامعة هارفرد، وكان أيضا أول أسود يتولى هذا المنصب.
والحقيقة أن وصول أوباما إلى هذه المرحلة المتقدمة، حيث لم يبق بينه وبين البيت الأبيض إلا ذراع أمر يدعو للإعجاب، ولا شك أن معارضته للحرب على العراق وتعهده بضمان التفوق العسكري لإسرائيل، ومحاولة الحوار مع إيران أمور انتخابية تلم حوله الكثير من المعجبين. إن الشباب الأسود والأبيض يرون في هذا الحصان المنطلق صورة جديدة نمطية لأمريكا بعد أن رأينا امرأتين في وزارة الخارجية بيضاويين ووزيرة سوداء البشرة لها هي الأخرى قصة نجاح تحسب لجيلها من أصحاب البشرة السمراء، كما تفوق السيد بوال وزير الخارجية ورئيس الأركان السابق، ووصوله إلى هذا المركز يحسب للفريق الأسمر هذا الإنجاز الكبير. إن السيد باراك أوباما في حاجة إلى خدمات وخبرات السيدة كوندوليزا رايس ومصداقية ومهنية الجنرال بوال، إلا أن كونهما من الحزب الجمهوري، ومن الفريق الخاص بالرئيس بوش قد يحرم السيد باراك أوباما من الاستعانة بخبراتهما أن السياسة في أمريكا مختلفة، ولذلك لا يرون ضيرا من استعانة الحزبين برجالهما ونسائهما عندما تكون الخدمة الوطنية هي الاعتبار الأول. إن المستحيل أصبح ممكنا بوصول حصان أسود إلى سدة الرئاسة الأمريكية، كما أنني بعيدا عن المزايدات الانتخابية أعتقد أن هذا الرئيس سيكون أكثر استماعا لمشكلات العالم العربي والإسلامي من سابقيه، وسيراهن على تحسين علاقة أمريكا بالعالم الإسلامي، وكذلك التنسيق مع الدول الأوروبية التي تمثل مكانا كبيرا في الاقتصاد العالمي لتنسيق المواقف وخدمة قضايا العدل والسلام والمساواة والتنمية في العالم أجمع، كما أن قدرته على اختيار نائب رئيس ذي خبرة كبيرة ومستشار للأمن القومي كفيلة بتغطية جوانب الخبرة لدى أوباما، شمس تطلع خير بيان.
والله الموفق..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي