دكتوراة خلال 10 أيام
نشرت "الاقتصادية" في صفحتها الأخيرة يوم أمس خبراً بعنوان "عربي يمنح الدكتوراة خلال عشرة أيام وبألف دولار"، وعند قراءتي الخبر تذكرت الكتيبات التي كانت تباع في المكتبات بعنوان "تعلم الإنجليزية في أسبوع"، وتوالت الإصدارات لهذه الكتب حتى جاء بعضها بعنوان "تعلم الإنجليزية في ثلاثة أيام"، ولن أتعجب إن جاء يوم من الأيام لأجد فيه أن الدكتوراة تقدم في ثلاثة أيام أو حتى يوم أو ساعات .
والمضحك في الخبر أن هذا العربي مقيم في إحدى الدول ويعمل سمساراً للشهادات العليا ، فهو يمنح الراغبين في الحصول على البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراة في عشرة أيام، شريطة تقديم مبلغ ألف دولار لبدء إجراءات التسجيل. وقد قامت جريدة "الاقتصادية" بالاتصال به، فأوضح أنه خصص موقعاً على الإنترنت مزودا بأرقام هاتف للراغبين في التواصل معه للحصول على الدرجات العلمية من جامعة جوردن من ولاية فلوريدا في أمريكا خلال عشرة أيام، مشترطاً كتابة السيرة الذاتية بتفاصيلها، حيث يقوم بدوره بتسجيل الطالب وإعداد الأبحاث والمشاريع والتخرج خلال أيام مع ضرورة أن يدفع المتقدم ألف دولار من خلال شركة حوالة في السعودية إلى حسابه الشخصي، موضحاً أن قيمة شهادة الماجستير ستة آلاف دولار، منها أربعة آلاف قيمة المؤهل العلمي، وألفا دولار رسوم تصديق من وزارة الخارجية الأمريكية، مؤكداً أن حصول الطالب على الشهادة خلال هذه المدة مرتبط بسرعة المتقدم في إنهاء إجراءات تسجيله . كما أكد أن الدرجة العليا الصادرة من هذه الجامعة معترف بها في جميع دول العالم، وأن هناك أكثر من ألفي سعودي حصلوا على مختلف الدرجات العلمية، مبيناً أن السعوديين أكثر المتقدمين، ويليهم باقي دول مجلس التعاون الخليجي وآخرون من دول عربية أخرى.
سمعت كثيراً عن مثل هذه الشهادات والدرجات العلمية التي تقدم للكثير من الراكضين خلف حرف الدال، وكنت أتعجب من بعض زملائي الذين أفاجأ بأنهم بين ليلة وضحاها قد وضعوا حرف الدال قبل أسمائهم، ولم أسمع في يوم ما أنهم كانوا مبتعثين للخارج أو حتى أنهم يدرسون أو يعملون على إعداد رسالة لدرجتهم العلمية، بل حتى لم أسمع أنهم مسجلون في أي برنامج للدراسات العليا سواء في الجامعات المحلية أو بعض الجامعات الدولية التي تقدم برامج الحصول على الدراسات العليا في المملكة، ومع ذلك فهم يفتخرون بهذه الدرجة وهم يعلمون يقيناً أن مصدرها غير رسمي، بل لا هوية له ولا قيمة تذكر منه، ومع ذلك يحرصون على أن يضعوا الدال قبل أسمائهم، بل قد يغضبون إن لم ينادهم أحد بلقب "الدكتور".
لقد أحسن معالي وزير التربية والتعليم عندما أعلن مطلع هذا الأسبوع عن منع استخدام الألقاب العلمية في المخاطبات الرسمية إلاّ بإذن، حيث إن هناك قيادات تعليمية في الوزارة يصل عددها إلى 60 مسؤولاً تحمل شهادات دكتوراة من مؤسسات أكاديمية غير معترف بها لدى وزارة التعليم العالي، مشدداً في تعميمه على عدم تذييل التوقيع الرسمي لأي مسؤول تحت أي اسم علمي ما لم يكن معترفاً به من الجهات ذات الاختصاص، وماعدا ذلك سيكون عرضة للمساءلة النظامية.
إن ما يحدث في "سوق" الدرجات العلمية العليا هو أمر مثير للحيرة، وهو على طرفي نقيض، فالطرف الأول يركز على اعتماد وموافقة وزارة التعليم العالي على الدراسة منذ البداية لنيل الدرجة العلمية، سواءً كانت من خلال جامعات محلية داخلية أو دولية، وما لم تكن الموافقة موجودة من قبل وزارة التعليم العالي، فلا يكون هناك اعتماد لها حتى لو كانت من كبريات وأعرق الجامعات الدولية. وفي المقابل هناك الجامعات التجارية التي تعطي الدرجة العلمية خلال أيام دون دراسة أو مشاريع بحثية أو مناهج علمية، ولعل ما طرحته اللجنة العلمية في مجلس الشورى على وزارة التعليم العالي جدير بالاهتمام، بحيث يتم تنفيذ آلية للتعامل مع حاملي مثل تلك الشهادات، بحيث يخضع الطالب إلى اختبار تقييمه الوزارة أو أن تقوم الوزارة بتشكيل لجنة مختصة ويقوم الطالب بعرض موضوع دراسته عليهم لأخذ الاعتراف على الدرجة التي حصل عليها.