ملامح عامة لتطور الكيانات الجهادية
drashwan59@yahoo .com
عند تتبع التطور الذي مرت به "الكيانات" الجهادية المتشددة التي تمارس العنف وتقوم بما تطلق عليه هي "أعمالاً جهادية" في حين يصنف من زاوية أخرى باعتباره "أعمالاً إرهابية"، يمكن الحديث عن عدة مراحل لتطور تلك الكيانات، كانت أهمها تلك التي تلت الهجمات التي وقعت في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومقر وزارة الدفاع الأمريكية في واشنطن.
فعقب ذلك، أصبح تنظيم قاعدة الجهاد الذي تبنى تلك الهجمات ونسبت إليه فور وقوعها "الكيان" الإسلامي الجهادي الجديد الوحيد الذي يقوم بالعمليات الجهادية العنيفة حول العالم. وفي الفترة بين الهجوم على المدمرة الأمريكية إس إس كول بالقرب من اليمن في 30 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2000 الذي وضح أن عناصر من هذا التنظيم قد نفذته، وحتى شهور قليلة بعد سقوط حكم طالبان في أفغانستان إثر الغزو الأمريكي لها في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2001، توافقت معظم الكتابات والتحليلات الأمنية والإعلامية والمتخصصة على أن هذا التنظيم هو الذي بات يمثل الشكل الجديد في تطور "الكيانات" الإسلامية الجهادية المتشددة التي تمارس العنف. وعلى الرغم من هذا التوافق بين الأمنيين والدارسين والإعلاميين على تلك النتيجة، فقد ظل الخلاف بينهم قائماً حول التأريخ لنشأة هذا التنظيم والمراحل التي مر بها، وانقسموا في ذلك بين رؤيتين رئيسيتين.
تبنت الأولى القول إن القاعدة تنظيم قديم نشأ في أفغانستان على يد أسامة بن لادن في بداية التسعينيات إبان هزيمة القوات السوفياتية هناك وانسحابها عام 1989، وراح يتطور كتنظيم عالمي ذي قيادة مركزية واستراتيجية موحدة يتم تطبيقها في مناطق مختلفة من العالم عن طريق فروع ومجموعات التنظيم التي توجد فيها. أما الرؤية الثانية فهي تعتقد أن السنوات التالية لإعلان "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" عام 1998 شهدت مزيداً من الجهود من جانب بن لادن وحلفائه والمحيطين به لبلورة التنظيم الجديد، دون أن يتم أي إعلان عن اسمه ولا ما يقوم به من عمليات بما في ذلك تفجير المدمرة الأمريكية إس إس كول. وتعتقد تلك الرؤية أن عامي 2000 و2001 كانا هما العامان الحاسمان في بلورة التشكيل التنظيمي الأخير للقاعدة، حيث أتت هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 على واشنطن ونيويورك وبعدها الحرب الأمريكية على أفغانستان في 7 تشرين الأول (أكتوبر) لكي يعلن التنظيم الجديد عن نفسه باسمه "قاعدة الجهاد" نهاية عام 2001 وبالتحديد في تشرين الثاني (نوفمبر)، حيث بدأ الظواهري وبعده بن لادن وعديد من قيادات التنظيم الذي وضح أنه تشكل نهائياً في استخدام هذا الاسم لوصفه.
استمرت تلك المرحلة من تطور "الكيانات" الإسلامية الجهادية التي تمارس العنف والإرهاب والتي هيمن عليها تنظيم قاعدة الجهاد بطبيعته المشار إليها سابقاً حتى بدأت تظهر بعض العمليات النوعية الجديدة في مناطق مختلفة من العالم، كان أولها اختطاف الصحافي الأمريكي دانيال بيرل في كراتشي في كانون الثاني (يناير) 2002 وقتله، ثم إلقاء قنبلة على كنيسة بروتستانتية في إسلام أباد في آذار (مارس) التالي ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص بينهم أمريكيان. وأتى بعد ذلك بنحو شهر التفجير الذي أصاب معبداً يهودياً في جزيرة جربة في تونس في 11 نيسان (أبريل) 2002 وأسفر عن مصرع 15 شخصاً وإصابة أكثر من 20 آخرين. وتتابعت بعد ذلك العمليات المماثلة وبخاصة في باكستان، وفي السادس من تشرين الأول (أكتوبر) 2002 وقع هجوم بحري على ناقلة النفط الفرنسية "ليمبورج" في ميناء المكلا في اليمن، وبعد يومين فقط هاجم كويتيان في جزيرة فيلكا الكويتية القوات الأمريكية هناك وأوقعا قتيلين في صفوفها قبل أن يقتلا بنيرانها. وفي الثاني عشر من تشرين الأول (أكتوبر) شهدت جزيرة "بالي" الإندونيسية عملية ضخمة حيث وقع انفجاران كبيران في أحد الملاهي الليلية في هذه الجزيرة التي يرتادها غالبا السياح الأجانب فخلفا 180 قتيلاً أغلبهم من الأستراليين. وفي الثامن والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر) أيضا شهدت العاصمة الأردنية عمان اغتيال الدبلوماسي الأمريكي لورنس فولي المسؤول في وكالة المعونة الأمريكية بثماني رصاصات، وهو الأمر الذي تكرر بعد فترة وجيزة باغتيال مبشرة مسيحية أمريكية في مدينة صيدا اللبنانية على يد مسلحين اشتبه في أنهم متطرفون إسلاميون. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) وقعت عملية مزدوجة في مدينة مومباسا الكينية شملت هجومين: الأول كان على فندق يرتاده إسرائيليون وتم عن طريق سيارة مفخخة مما أوقع 11 قتيلاً بينهم سائحان إسرائيليان، بينما استهدف الهجوم الثاني طائرة مدنية إسرائيلية كانت تقل مئات من السائحين الإسرائيليين باستخدام صاروخين من طراز "سام 7" روسي الصنع ولكنهما لم يصيباها بسوء.
أدى وقوع كل تلك العمليات العنيفة والإرهابية خلال العام الذي تلا هجمات أيلول (سبتمبر) 2001 إلى بداية المرحلة الثالثة والمستمرة حتى الآن في توصيف وتشخيص طبيعة "الكيانات" الإسلامية المتشددة التي راحت تقوم بها. وقد اتسمت هذه المرحلة بأن هناك دورا ما للقاعدة في نشأة "الكيانات" الإسلامية المتشددة الجديدة التي تمارس العنف والإرهاب في مناطق مختلفة من العالم سواء كانت ضمن العالمين الإسلامي والعربي أو خارجهما. كذلك بات واضحاً أن العالم يخوض مواجهة مع "شبكة" وليس "تنظيم" تمتد مجموعاتها أو جماعاتها أو فروعها أو خلاياها إلى تلك المناطق المشار إليها، وتحمل عناصر مشتركة، تختلف في حجمها ومداها، مع تنظيم القاعدة الأصلي الذي ساد المرحلة الثانية منفرداً تقريباً.