هل يؤدي الاندماج لزيادة درجة الاحتكار؟ (2 من 2)

[email protected]

تقوم سياسات مكافحة الاحتكار أساسا، على منع السلوك المناهض للمنافسة، وكذلك منع قيام كيانات ضخمة تسيطر على السوق. سواء تضخم هذا الكيان من خلال نمو الشركة ذاتها بواسطة إعادة استثمار أرباحها لمزيد من التوسع، أو من خلال الاندماج مع شركة أخرى، اندماجا يؤدي إلى تقليل المنافسة. والاندماج على ثلاثة أنواع، وأكثر أنواعه إثارة لمخاوف المراقبين الاقتصاديين هو الاندماج الأفقي، الذي يجري بين شركات تعمل في النشاط نفسه. في حين ثمة تسامح في القوانين الأمريكية تجاه الدمج العمودي بين شركتين تقومان بمرحلتين مختلفتين من مراحل الإنتاج، وتسامح كذلك تجاه الدمج المختلط بين قطاعات أعمال لا علاقة بينهما (لعب الأطفال، وحبوب منع الحمل!).
وكنت قد تناولت في مقال الأسبوع الماضي موضوع اندماج سلسلة متاجر بندة والمخازن الكبرى في كيان واحد. وذكرت أن هذا الاندماج أثار المخاوف نفسها. لكنني أوضحت في ذلك المقال، أن المراجعات والتطورات التي جرت في قوانين مكافحة الاحتكار Anti-trust laws، في عقد الثمانينيات أثناء فترة الرئيس ريجان، والتي بنيت على نتائج الدراسات التطبيقية على حالات متعددة لبعض الشركات الأمريكية، كشركة الكوا للألمونيوم، وشركة الاتصالات إيه تي آند تي، وشركة الحاسوب آي بي إم، وشركة بوينج لصناعة الطائرات، قد انتهت إلى أن المهم ليس الحجم وإنما قدرة الشركة على تحسين الكفاءة الاقتصادية، فإذا كان الحجم الكبير يتصف بالكفاءة الاقتصادية، فمرحبا به وينبغي أن يسود. وبذلك أصبح الحجم الكبير للشركات سواء بسبب التوسع أو الاندماج لا يعد دليلا بذاته على تصرف احتكاري طالما هو أكثر كفاءة. فقد اكتشف علماء الاقتصاد أن الأداء لا يرتبط بالبنية. وثبت أن الشركات الضخمة تكون عادة أعلى أداء فيما يتعلق بالتجديد ونمو الإنتاجية. بل إن الاقتصادي الشهير "لستر ثورو" (الأستاذ في معهد / إم آي تي) إلى أن المنافسة الشديدة ستسود حتى في أسواق الصناعات والقطاعات عالية التركيز، طالما انتفى التواطؤ وجرمته القوانين.
وعلى أثر مقالي السابق، تلطف بمهاتفتي الأخوان الدكتور محمد إخوان نائب رئيس شركة صافولا للتسويق، ثم تبعه أخي الدكتور سامي باروم رئيس شركة صافولا، ليوضحا لي ما استشكل عليّ فيما يتعلق بنسبة استحواذ الكيان الجديد من سوق بيع التجزئة من السلع التموينية في السوق السعودية. وقد اتضح لي أن جملة مبيعات جميع فروع متاجر بندة والمخازن الكبرى داخل السعودية وخارجها في عام 2007م، بلغت نحو 4.8 مليار ريال وهي لا تشكل سوى 5 في المائة فقط من مجمل مبيعات السوق، وهم يطمحون للوصول لنسبة 10 في المائة من جملة المبيعات بعد ثلاث سنوات من الدمج. ومن الواضح أن هذه نسبة ليست كبيرة ولا تثير أية مخاوف لبروز قوى احتكارية. ففي حين تستحوذ أكبر خمسة شركات لبيع السلع التموينية بالتجزئة في بعض الدول الغربية على نسبة تراوح بين 48 في المائة و59 في المائة من مجمل مبيعات السوق، تنحصر مبيعات أكبر خمس شركات في سوقنا (بما فيها بندة والمخازن الكبرى) في حدود 11.5 في المائة فقط من مجمل مبيعات السوق.
لا شك أن كلا من متاجر بندة والمخازن الكبرى هما مؤسستان وطنيتان تطورتا بجهود دؤوبة ومتواصلة عبر الزمن. وقد وجد ملاكها الآن، مع زيادة المنافسة الأجنبية في السوق المحلية والإقليمية، أن المصلحة تدفعهم للاندماج في كيان واحد ليستفيدوا من وفورات الحجم الكبير، سواء تعلق الأمر بضغط التكاليف الإدارية والتشغيلية، أو بقدرتهم بعد الدمج على الشراء بأسعار تفضيلية.
ونحن نبارك لهم هذه الخطوة، بشرط أن تؤول في نهاية المطاف إلى أسعار منافسة مقرونة بجودة عالية، وإلى زيادة قدرة الكيان الجديد على توظيف أبناء الوطن. والحقيقة هي أن سجل متاجر بندة في التوظيف مشجع. فنسبة السعوديين لديها بلغت 38 في المائة من جملة العاملين. وهم يسيرون وفق أسس منهجية قائمة على التدريب والإحلال للوصول بهذه النسبة إلى 50 في المائة في بحر السنوات الثلاث المقبلة. وإن كنا نتمنى أن يرتفع هذا المعدل أكثر حتى لو كان على مدى زمني أطول قليلا، كأن تبنى الاستراتيجية للوصول بنسبة السعودة لمعدل يراوح بين 70 و80 في المائة خلال السنوات الخمس أو السبع المقبلة. توظيف أبناء الوطن ليس حلما صعبا متى ما توافرت الإرادة الماضية والعزيمة الصادقة.

أستاذ الاقتصاد، جامعة الملك عبد العزيز

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي