حب الشهرة
للسلطة والتمكين سحر عجيب يصاب به بعض الضعاف الذين إذا تمكن منهم هذا السحر يغدو الواحد منهم إنساناً آخر بل تراه وكأنه شخص أت من كوكب آخر وليس من سكان الأرض، فكثير ممن ابتلوا بالمنصب أو السلطة يتغيرون مباشرةً فور تسلمهم لسلطة وذلك بشكل مخيف فتختفي الابتسامة إلا لمن هم فوقهم ويظهر العبوس لمن هم دونهم وتغلق الأبواب وتستحدث أبواب مخفية ويتغير المظهر والملبس والمركب ويبنون الحواجز المتتالية في مكاتبهم بدايةً من السكرتير ثم مدير المكتب ثم المشرف العام على المكتب كما يبدأ التنكر للأصدقاء بل وأحياناً للأقارب.
وتزيد أضواء الإعلام وأنوار الشهرة هذا السحر فيصبح الشخص مأسوراً بالأضواء عبداً لها يجري خلفها في كل مكان فيوماً تراه في صحيفة أو على شاشة فضائية من الفضائيات أو تسمعه في الراديو أو تجده في مجلة من المجلات حتى تشعر وكأنه يطاردك من مكان إلى آخر من خلال حرصه واهتمامه بأن يظهر في الإعلام ويزيد هذا الحرص قناعة بعض الإعلاميين بأن مثل هذه الشخصية هي لقمة سائغة للجمهور أو مادة إعلامية دسمة فتغدو العملية مصلحة مشتركة، إذ إن هذه الشخصية من الشخصيات الحريصة على الظهور الإعلامي وكذلك فإن الإعلاميين في حاجة ماسة لوجود مادة إعلامية مميزة تستقطب الجمهور فيستفيد الطرفان.
كثير من أولئك الذين تقلدوا المناصب وجاءتهم السلطة وأصابهم داء العظمة يعتقدون أن في الإعلام منفعة لهم وأن تكرار الظهور سيجلب لهم الشهرة وتعريف الناس بهم حتى يصبحوا ممن يشار لهم بالبنان ويصبحوا من الأعلام في مجتمعاتهم فيدعون للاجتماعات والندوات والمؤتمرات ويتم استقبالهم خارج القاعات وعند أبواب السيارات وتحجز لهم المقاعد في الصفوف الأمامية والتي لا يقبلون بغيرها ويتدافع عليهم الصحافيون والمصورون في نهاية كل لقاء لأخذ تصريحاتهم الصحفية.
وفي نظري بأننا نحن كمجتمع من أسهم في إيجاد مثل هذه الشخصيات من خلال تعظيمنا وتبجيلنا لها ومن خلال ما يقوم به الإعلام في كثير من الأحيان من تسليط للأضواء وعرض غير منطقي لشخصياتها متجاهلين أعمالها التي هي في الأساس ما تستحق الاهتمام وتعريف المجتمع بها، ولا بد أن نحرص على أن نفرق بين تسليط الضوء على الشخصيات وبين تسليط الضوء على الإنجازات فالإنجازات الميدانية والأعمال التي يستفيد منها الناس هي التي أحق بالإشادة وبتسليط الضوء عليها، أما تلميع الأشخاص وتسليط الأضواء عليهم فضرره أكثر من نفعه فهو يدخل صاحب السلطة في نفق مظلم فيركن هذا الإنسان إلى أن يعرف الناس على نفسه أكثر من أن يعرفهم بالإنجازات التي تمت في دائرته، ويبقى دور الإعلام مثل ملح الطعام لا بد أن يقاس بحذر، فلو كان زائداً لن يقبل ولو كان ناقصاً لن يقبل كذلك فلا بد من التوسط والاعتدال في هذا الأمر.
إن الوصية النبوية تؤكد أهمية أن نستعين على قضاء حوائجنا بالكتمان بحيث توضع الخطط وتشكل الفرق ويمضي العمل وينجز ثم بعد ذلك يمكن أن يتم الإعلان عن النتائج، وما يحدث اليوم في مجتمعنا هو عكس ذلك تماماً فمنذ بداية التعيين وتقلد المنصب تبدأ الأضواء تركز على التهاني في البداية ثم على تغيير جزء كبير من فريق العمل ثم على إعادة تشكيل اللجان، يلي ذلك عقد الاجتماعات وتقديم التوصيات وكثيراً ما تنعدم في النهاية الإنجازات فتصبح القضية بأكملها تركيز الأضواء على ما لا فائدة منه وعلى شيء لم يستفد منه المجتمع.
إننا نحتاج اليوم إلى أن نعيد النظر كإعلاميين فيما نقدمه للناس من مواد يجب من خلالها أن نفرق بين تلميع وإبراز الشخصيات للناس وتقديم الإنجازات ونتائج الأعمال للمجتمع فالأشخاص سيذهبون وما سيبقى هو ما يفيد المجتمع.