" أحكام قضائية في العقار -3-" "الغبن الواضح"

[email protected]

كان الحديث في المقال السابق عن أحد أحكام المدونة القضائية الصادرة عن وزارة العدل, وخلاصته صدور حكم من المحكمة بإفهام المتداعيين بانفساخ العقد بينهما لثبوت الغبن الواضح وذلك بطلب المدعي للغبن, حيث ادعى أنه اشترى العقار بـ 40 ألف ريال, وقد ثبت بعد الاستعانة بالخبراء أن الأرض لا تساوي أكثر من عشرة آلاف ريال, بمعنى أن الربح كان بنسبة 300 في المائة, وكنت أشرت في التعليق على الحكم بما نصه:" قرر الحكم حصول الغبن الواضح استنادا إلى تقرير الخبراء, وهذا يعني أن المعمول به هو أن تحديد ذلك يرجع إلى العرف, حيث لا يوجد في الأنظمة تحديد لذلك والفقهاء مختلفون في تحديده", وأضيف هنا أن الظاهر من الحكم هو: اعتبار وجود الغبن المجرد فقط, ولم يبحث في وجود التغرير مع الغبن, وهما قولان مشهوران في الفقه الإسلامي, الأول: يقضي بثبوت الخيار بمجرد وجود الغبن, والثاني: يشترط اقتران التغرير مع الغبن, والمعمول به في القضاء في المملكة القول الأول كما في الحكم المشار إليه.
ومن النصوص المهمة في هذا الخصوص ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – حيث يقول:"لا يجوز لأحد استرسل إليه أن يغبن في الربح غبنا يخرج عن العادة وقد قدر ذلك بعض العلماء بالثلث, وبعضهم بالسدس, وآخرون قالوا يرجع في ذلك إلى عادة الناس" وقال أيضا:"..وهذا يقتضي كراهة الربح الكثير الذي يزيد على قدر الأجل لأنه شبه بيع المضطر".
ومن أقواله الفقهية التي لها مساس بما نعيشه في الوقت الحالي من جشع بعض التجار ورفعهمالأسعار وربحهم الزائد عن العرف:".. وإذا وجب عليهم – أي التجار- أن يصنعوا الدقيق والخبز لحاجة الناس إلى ذلك ألزموا كما تقدم, أو دخلوا طوعا في ما يحتاج إليه الناس من غير إلزام لواحد منهم بعينه فعلى التقديرين يسعر عليهم الدقيق والحنطة, فلا يبيعوا الدقيق والحنطة إلا بثمن المثل, ولا الخبز إلا بثمن المثل بحيث يربحون الربح بالمعروف من غير إضرار بهم ولا بالناس", والنصوص منقولة من كتاب "مبادئ الاقتصاد الإسلامي – نصوص اقتصادية مختارة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية , تأليف :د.عبد العظيم الإصلاحي", وهو كتاب جيد في موضوعه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي