كتّاب بلا هوية

[email protected]

هناك علاقة دائماً تربط الكاتب بعمله، فإن لم يكن العمل عبارة عن تجربة من واقع الكاتب الحقيقي فإنها ستكون من مخيلته هو، أي أن الكاتب لن يستطيع كتابة أي عمل ما لم يحاول الدخول فيه لتكون الصورة بذلك أقرب، وحيث إن الكاتب هو في دورٍ آخر قارئ أيضاً فإن حتى التجارب التي يقرأ عنها هي بمثابة أحد الأسباب التي تعينه على عيش التجربة أو الشعور بها.
ولكن وفي الآونة الأخيرة، وحين نحدد قليلاً، فمنذ ظهور كتّاب الإنترنت، الذين أتيح لهم قدر أكبر من الحرية في اقتحام عالم الكتابة، أصبح هناك بعض من الخلط في الأدوار، وغابت أسس كثيرة يعتقد البعض أنه لم يعد بحاجة إليها مع مواكبة العصر الحديث.
وبهذا.. خرج كتّاب بلا هوية! واقتحموا عالم الأدب، وأصبحوا محسوبين في عداد "الأدباء"، رغم أن بعضهم لا يعرف حتى القالب الذي يكتب في إطاره، ولا الفرق بين فن وآخر من فنون الأدب، أو حتى أسس بناء الشكل الأدبي الواحد.
قد يكون البعض من هؤلاء لم يستطع بعد تحديد " أسلوبه " في الكتابة، فيتأثر في كل مرة بكتاب مختلف، وكبداية فإن هذا أمراً طبيعياً لأن الكاتب سيخلص في الأخير – عادة – إلى تحديد خط سيره الذاتي بعد الخوض في عدة تجارب، وهي التجارب ذاتها التي قد تمنحه صقلاً في شخصيته وفي قلمه، غير أن هناك من لايزال لا يستطيع أن يقوّم مسيرته، ومن لا يزال يتأثر بسهولة في أي توجه يخوضه وينحرف أمام أي اصطدام.
المشكلة أن الأمر لم يتوقف أمام هذا الضياع لقالب الكاتب، لأن هذا الضياع أثر بشكل واضح في النص بشكل كبير، فبدأت نصوص بالخروج دون أن يكون لها شكل معروف في أسسه الأدبية، ودون أن تندرج تحت تصنيف واضح ومحدد ليستطيع حينها القارئ أو الناقد أن يتعامل مع النص.

وحين نتحدث عن السرد بالتحديد، فيجب أن ننتبه إلى أن ما يسمى بالقصة القصيرة جداً وعلى الرغم من أن هناك من النقاد من يراها شكلاً حداثياً جديداً إلاّ أنها في الحقيقة أحد فنون القصة التي ظهرت منذ بداية ولادة القصة كأحد الفنون الأدبية.
ولكن خرج الآن لنا ما يُسمى بالشّعر، وهو ليس على هيئته، وما يسمى بالسّيرة، ولكنه بشكل مغاير، وأشكال أخرى تتأرجح بين أكثر من ألف فن أدبي، وعندما ظهر من هذا النوع أعمال مطبوعة فإنها ظهرت تحت اسم "نصوص نثرية"، كي يتسع لها هذا الاسم بشكل أكبر ويحتوي النص بأي شكلٍ كان.
قد تكون هذه الأعمال قد زادت من عدد القراء خاصة من فئة الشباب، الذين استصعبوا الأشكال الأدبية الأخرى، غير أننا لا نستطيع أن نعدها تأسيساً صحيحاً لقارئ هو مشروع "مثقف"، وتعود المعادلة بنا هنا إلى مسألة الهوية، لذلك عندما غابت هوية الكاتب، غابت معه هوية النص، لتعود إلى قارئ سيضيع وسط هذا الغياب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي