فرصة ثمينة ... أجر بلا وظيفة
تعجبت وأنا أطلع على مقترح من أحد أعضاء مجلس الشورى قدمه إلى معالي وزير العمل خلال لقاء معاليه أخيرا بأعضاء المجلس، تحدث فيه عضو المجلس حول ضرورة صرف مكافأة مالية مقطوعة للعاطلين عن العمل الذين يبحثون عن وظائف، وعلى الرغم من قناعتي بحيثيات المقترح الذي قدمه عضو مجلس الشورى الذي أشار فيه "إلى أن على الحكومة أن تتكفل بتوفير الحياة الكريمة للعاطلين الجادين في البحث عن عمل، حتى يتسنى لهم الالتحاق بوظيفة ما" إلا أني أعتقد أن الخطأ لا تتم معالجته بخطأ آخر، فالخطأ الذي نعيشه اليوم في سوق العمل من المفترض ألا يتم تصحيحه بخطأ آخر قد يؤدي بالعاطلين ـ كما ذكر معاليه ـ إلى التواكل، وأي حياة كريمة تلك التي تأتي من خلال وجود شباب المجتمع في بيوتهم عاطلين ينتظرون أن تأتيهم المعونات المالية نهاية كل شهر، فلئن يخرج الشاب من منزله ليعمل في مهنة يجد من خلالها قوت يومه أكرم له من أن يجلس عالة ينتظر معونة حكومية أو صدقة من محسن.
إن بدل البطالة المطلوب دفعه من قبل الحكومة للعاطلين هو بدل يمكن أن يساهم في زيادة هذه الفئة في المجتمع ومهما وضعت الدولة من معايير صارمة لهذا البدل فإن كثيرا من الشباب سيلجأون إلى العديد من الحيل والأساليب الملتوية للحصول على هذا البدل بدلاً من البحث عن العمل.
لقد تمت تجربة هذا المفهوم مع كثير من الأسر محدودة الدخل بحيث كان يصرف للأسرة مبلغُ ماليُ شهري على مدى أعوام وكانت نتيجة ذلك وجود أجيال من المجتمع تعيش على ثقافة انتظار المعونة الشهرية وليس على ثقافة البحث عن العمل والسعي خلف مصادر الرزق.
إن كثيراً من القرارات التي يتم اتخاذها تساهم بشكل كبير في وجود سلبيات تتراكم عبر الزمن حتى تصبح داءً عضالاً يصعب الشفاء منه، وهذا واقع سوق العمل الذي نحن فيه اليوم، فهو نتاج مجموعة من الأخطاء لا ذنب للشباب فيها وفي مقدمتها عدم ملاءمة مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل، فأصبح الوضع وعلى مدى عشرات السنين مثل المصنع الذي يقدم منتجات لا يحتاج إليها المستهلك، إضافة إلى ذلك فإن هذه المخرجات ليس لديها مبادئ ثقافة العمل واحترام أخلاقياته، ومن هذه الأخطاء فتح باب الاستقدام على مصراعيه وتحويله من باب تدخل منه العمالة التي لا يوجد مقابلها كوادر وطنية إلى باب للمتاجرة بالبشر، أضف إلى ذلك الطفرة التي حدثت في الماضي فساهمت في وجود جيل يترفع عن العمل في العديد من المهن خصوصاً الحرفية منها أو تلك التي أصبح مسيطراً عليها من قبل جاليات وافدة انتهزت فرصة الاستقدام غير المنظم، وبقي شباب الوطن ضحايا لكل ما سبق.
وهكذا تتواصل الأخطاء وتأتي مثل هذه الاقتراحات التي تريد القضاء على الذرة الباقية من الكرامة في نفوس هؤلاء الشباب الذين تمتلئ أجسادهم طاقة وحيوية ليصبحوا عالة على المجتمع، بل وبمثل هذه المكافآت قد يقترب دخلهم من العاملين، وبذلك يتكرر ما يحدث في الجامعات حيث يحرص الطلبة على البقاء في الجامعة أطول فترة ممكنة رغبة منهم في الحصول على المكافأة الجامعية.
لقد تغير الحال اليوم ويجب أن يعي الشباب أن الحل لم يعد لدى الدولة بل لديهم فالاعتماد على الدولة لن يجدي فوظائف القطاع العام قد اختفت وما تقدمه الدولة من تعليم أو تدريب أو تأهيل لا يتوافق مع احتياجات القطاع الخاص، ولذلك لا حاجة لمزيد من المتاهات فالصورة واضحة للغاية وما على الشباب اليوم إلا أن يتوكل على الله أولاً ثم يعتمد على نفسه ويحرص على تطوير ذاته وقدراته وتحسين مؤهلاته ثانياً، وأن يبحث عن أي فرصة متاحة بكل جد واهتمام وعناية أو حتى يبدأ عمله الخاص البسيط، فالظروف اليوم صعبة للغاية والمنافسة مع الوافد الأجنبي شرسة وفوق ذلك كله ظروف الغلاء المعيشي، والانتصار على كل ذلك لن يأتي من فراغ أو انتظار معونة حكومية بل لا بد له من جدية والتزام من الشباب وحرص على العمل ولو بمردود محدود بدلاً من الوقوف.