في سبيل ثقافة نفطية: "الوقود الحيوي" وأزمة الطاقة المقبلة (1 من 2)

[email protected]

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن "الوقود الحيوي"، خاصة بعد تبني الحكومة الأمريكية سياسات تدعم هذا النوع من الوقود لمجابهة الاعتماد المتزايد على النفط المستورد. وعلى الرغم من أنه لا تخلو الصحف بشكل يومي من ذكر هذا النوع من الوقود، إلا أن القليل في بلادنا من يعرفون ماهية الوقود الحيوي والذي تترجمه بعض وسائل الإعلام "الوقود الإحيائي"، وقليل من يعرف أن زيادة الاعتماد على الوقود الحيوي قد تؤدي إلى أزمة طاقة في أي لحظة، وأن دول أوبك، في النهاية، قد تدفع الثمن. وما هذه المقالة إلا مقدمة لتعريف القراء بالوقود الحيوي وتوضيح دوره في خلق أزمات الطاقة في المستقبل.

الوقود الحيوي من أقدم أنواع الوقود
أعطت كثرة الحديث عن الوقود الحيوي في السنوات الأخيرة انطباعاً لدى كثير من الناس بأن "الوقود الحيوي" وقود جديد يصنف تحت "الطاقة المتجددة" و "البديلة" للنفط، وأن الاهتمام به نتج عن الارتفاع الكبير في أسعار النفط في السنوات الأخيرة. الحقيقة إن الوقود الحيوي من أقدم أنواع الوقود التي استخدمها الإنسان لأن الحطب وقود حيوي، وروث الحيوان وقود حيوي. والحقيقة أيضاً أنه حتى المحرك الانفجاري في السيارات صمم أصلاً لاستخدام الزيوت النباتية وليس النفط، ولكن توافر النفط ورخصه في نهاية القرن التاسع عشر أدى لتطوير محركات تعتمد على النفط بدلا من الوقود الحيوي.

ما هو الوقود الحيوي؟
ينعت هذه النوع من الوقود بـ "الحيوي" لأن مصدره ليس النفط أو الفحم وإنما كائنات "حية" من النباتات والحيوانات، لهذا فإنه يعد من أقدم أنواع الوقود بسبب استخدام الإنسان للحطب في التدفئة والطبخ منذ زمن سحيق. إلا أن الأمور تطورت في العقود الأخيرة فأصبح بالإمكان استخراج سوائل يمكن استخدامها في محركات الاحتراق الداخلي بدلاً من البنزين والديزل، كما أصبح بالإمكان أيضاً استخراج الغاز الحيوي واستخدامه في التدفئة أو في توليد الكهرباء. أما الحطب والأخشاب فإنها ما زالت تستخدم بالطريقة نفسها التي استخدمها الإنسان عبر آلاف السنين وذلك عن طريق الحرق المباشر، إلا أن ما تم استحداثه أنه يتم في بعض المناطق توليد الكهرباء عندما يتم توليد البخار عن طريق الحرق المباشر للحطب وبقايا النباتات.
وكما هي الحال في الوقود الأحفوري فإنه يمكن تقسيم هذا النوع من الوقود إلى ثلاثة أنواع: صلب وسائل وغازي.
النوع الصلب يتمثل في مخلفات النباتات كافة، بما في ذلك الأخشاب المختلفة. النوع السائل يأتي بصيغات متعددة منها الإيثانول والديزل الحيوي والزيوت النباتية. النوع الغازي هو غاز الميثان المستخرج من تحلل النباتات والمخلفات وروث الحيوانات.
هناك مصدران مختلفان للوقود الحيوي السائل: النباتات الحاوية على السكر أو النشاء مثل قصب السكر والشمندر السكري والذرة، ويستخرج منها الإيثانول عن طريق التخمير، والنباتات الحاوية على الزيوت مثل الصويا وعباد الشمس والذرة وتستخرج منها الزيوت التي تعالج كيماويا للحصول على الديزل الحيوي. كما يتم استخدام الزيوت النباتية المستخدمة في الطبخ كوقود للسيارات وذلك عن طريق حرقها مباشرة في المحركات الانفجارية.
أما الغاز الحيوي فإنه غالباً ما يستخرج من روث الحيوانات عن طريق تخميره، أو من النفايات عن طريق ردمها و تحللها في بيئة خالية من الأوكسجين.

الإيثانول
سائل كحولي شفاف، لا لون له، طعمه حلو نوع ما. والمُرَكَّز منه له طعم حارق وذو رائحة نفاذة. يُستخدم كمصدر للطاقة بديلاً عن البنزين، أو يًُمزج مع البنزين بنسب مختلفة لأسباب عديدة أهمها تخفيف التلوث الناتج عن احتراق البنزين في محركات السيارات. ويتم إنتاجه في الغالب من النباتات ومخلفاتها خاصة النباتات التي تحتوي على كمية كبير من السكر والنشويات مثل قصب السكر والشمندر السكري والذرة والقمح.
ويرى كثير من الخبراء أن زيادة استخدام الإيثانول كوقود أسهمت في رفع أسعار المواد الغذائية في شتى أنحاء العالم بسبب ارتفاع أسعار الذرة ومشتقاتها، إضافة إلى ارتفاع أسعار السكر. وتقوم حاليا العديد من الدول، خاصة في إفريقيا ببناء مصانع الإيثانول بسبب توافر المحاصيل الزراعية المحلية من جهة، وارتفاع أسعار النفط المستورد من جهة أخرى.

الديزل الحيوي
يختلف الديزل "الحيوي" عن الديزل "النفطي" في أنه يستخرج من النباتات المعروفة بإنتاجها للزيوت مثل الصويا والقنب والقطن، أو من الشحوم الحيوانية، الأمر الذي يجعل لونه يختلف حسب مصدره ويراوح بين لون ذهبي إلى بني غامق. وزيت الفول السوداني الذي استخدمه رادولف ديزل في محركه لا يعتبر من الديزل الحيوي لأنه كان زيتا نباتيا خالصاً. ويستخدم هذا النوع من الديزل في المحركات وعمليات التسخين والتدفئة مثله مثل الديزل النفطي. وعلى الرغم من أنه يمكن استخدامه في عدة أنواع من السيارات إلا أن الشائع في أوروبا وأمريكا هو مزجه مع الديزل النفطي بنسب تختلف من مكان لآخر.
ويتم الحصول على الديزل الحيوي عن طريق عملية كيماوية تسمى "الأسترة" يتم فيها مزج الزيوت النباتية بمواد كحولية مثل الميثانول أو الإيثانول ومواد محفزة مثل الصديوم الهيدروكسايد والذي يسبب تفاعلاً كيماوياً ينتج عنه الديزل الحيوي ومادة أخرى هي الجليسيرين.

ميزات الوقود الحيوي
يتميز الوقود الحيوي عن الوقود الأحفوري بأن احتراقه لا يسبب المشكلات البيئية نفسها لاحتوائه على كربونات أقل. كما أن أغلبه يتحلل بالماء خلال فترة قصيرة من الزمن بينما لا يتحلل الوقود الأحفوري حتى بعد مرور عشرات السنين. يجب توخي الحذر عند الحديث عن المنافع البيئية للوقود الحيوي لأن مساندوه يتجاهلون الآثار البيئية السيئة الناتجة عن زراعته وتصنيعه. رغم هذه المزايا، إلا أن مخاطر انتشار الوقود الحيوي كبيرة وقد يؤدي استخدامه إلى أزمة طاقة عالمية، وهذا ما سيتم مناقشته في الحلقة المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي