أنباء عن اتجاه "سيتي بنك" لبيع جزء من أصوله لمعالجة خسائر الرهن العقاري
يبدو أن جميع التدابير التي اتخذها "الاحتياطي الفيدرالي" الأمريكي لم تفلح في الحد من تأثير التدهور في أسواق الرهن العقاري على قطاعات الاقتصاد الأخرى. ففي حين جاء تدخل "الاحتياطي الفيدرالي" متأخراً نوعاً ما بتخفيض سعر الفائدة بواقع نصف نقطة مئوية خلال أيلول (سبتمبر) من أجل إعادة الثقة لأسواق الائتمان التي ضخت فيها البنوك المركزية العالمية ما يقارب 400 مليار دولار، إلا أن ذلك لم يكن له إلا أثر محدود حيث مازالت المخاوف بشأن الائتمان الذي يعني مزيداً من تكلفة الاقتراض. وهذا الأمر بالطبع سيؤدي إلى الحد من النقود المتدفقة إلى أسواق الأسهم ومن ثم تدهورها. وهذا ما حدث فعلاً هذا الأسبوع وتزايدت المخاوف بشكل كبير من تدهور أسواق الائتمان نتيجة تدهور أسواق الرهن العقاري التي لا يتوقع أن تعود إلى النمو في الأجل القريب وقد تستمر أمداً طويلاً لحين استرداد عافيتها. فعلى الرغم من إقدام "الاحتياطي الفيدرالي" على خطوة أخرى بتخفيض سعر الفائدة ربع نقطة مئوية خلال اجتماع أعضائه الأربعاء الماضي إلا أن ذلك لم يكن له إلا أثر محدود على الأسواق المالية التي سرعان ما تراجعت وبشكل حاد يوم الخميس الماضي. حيث هبط "داو جونز" بما يتجاوز 350 نقطة ، وذلك إثر مخاوف متزايدة من ازدياد عدد البنوك وبيوت التمويل المتأثرة بخسائر السندات المدعومة بقروض الرهن العقاري. وكان السبب الرئيسي في ذلك تسرب أنباء عن احتمال قيام "سيتي بنك" ببيع جزء من أصوله أو تخفيض توزيعات أرباحه من أجل تعويض خسائره الناتجة عن الديون المشطوبة المتعلقة بالشركات التي تبيع السندات المدعومة بقروض الرهن العقاري SIV. وكان كل من "سيتي بنك" و"ميريل لنش" و"واكوفيا بنك" و"بيرن ستيرن" قد أعلنت شطبه ديونا متعلقة بتلك السندات، كما أعلنت كبرى شركات الإقراض العقاري "كونتري وايد" خسائر كبيرة، مما يشير إلى تفاقم الأزمة التي يبدو أن مسؤولي "الاحتياطي الفيدرالي" فشلوا في تقدير حجمها. ففي حين كان من المفترض أن يسارع الاحتياطي إلى التنبه إلى خطر هذه الأزمة المتعلقة بزيادة حالات التوقف عن السداد استمر الاحتياطي في رفع سعر الفائدة مبرراً ذلك بالمخاوف من تزايد التضخم الذي ينادي بيرنانكي منذ أن كان أستاذا للاقتصاد بوجوب استهدافه معدلا محددا له.
وتأتي قراءة مؤشر كيس – شيللير لأسعار المنازل مصداقاً لما أشرنا له من احتمال استمرارية أزمة الرهن العقاري وأثرها في أسعار العقارات لفترة طويلة. قد أظهر المؤشر انخفاض أسعار المنازل في 20 مدينة رئيسية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال شهر آب (أغسطس) بمعدل 4.4 في المائة من سنة سابقة وللشهر الثامن على التوالي خلال هذا العام. وهذا المؤشر يعد المؤشر الأفضل الذي يعكس قيم العقارات في الولايات المتحدة. ومن ناحية أخرى انخفض مؤشر ثقة المستهلكين الذي يصدره مجلس المؤتمر إلى مستوى 95.6 نقطة في تشرين الأول (أكتوبر) وذلك من مستوى 99.5 نقطة في أيلول (سبتمبر) الماضي. إضافة إلى ذلك فقد أظهر تقرير جامعة ميتشجن لمشاعر المستهلكين انخفاضا إلى أقل مستوى خلال 17 شهراً وليعكس المخاوف بشأن تدهور قطاع الإسكان، إضافة إلى زيادة أسعار الوقود التي تأتي على أبواب الشتاء. هذه المؤشرات زادت من قلق المستثمرين بشأن ما إذا كان الاقتصاد الأمريكي وقع فعلاً في فخ الركود الاقتصادي أم لا، والذي عادة يعرف على أنه انخفاض معدل النمو ولربعين متتاليين. ولكن المشكلة هي أن الاقتصاديين لا يمكنهم معرفة نقطة بداية هذا الركود إلا بعد الوقوع فيه أو حتى بعد أن بدأ الخروج منه.
وعلى الجانب الإيجابي أظهرت بيانات النمو الاقتصادي نمو الاقتصاد الأمريكي بمعدل أعلى من المتوقع بلغ 3.9 في المائة خلال الربع الثالث من هذا العام. بينما أظهرت نتيجة استفتاء مديري المشتريات انخفاضا في نشاط القطاع الصناعي في وسط غرب الولايات المتحدة لأقل مستوى خلال ثمانية أشهر مما يثير تساؤلات عن مدى إمكانية تأثير انخفاض الطلب الخارجي على السلع الأمريكية على الاقتصاد الأمريكي. وتعد منطقة غرب الوسط الأمريكي منطقة صناعية مهمة بالنظر إلى احتوائها على أكبر صانعي السيارات في العالم كفورد وجنرال موتورز، مما يعد مؤشر الصناعة فيها مؤشراً مهماً للاقتصاد الأمريكي. ويدعم هذه البيانات المتعلقة بالقطاع الصناعي مؤشر ISM الذي أظهر انخفاضا إلى معدل 50.9 نقطة مقترباً من مستوى 50 نقطة التي تدلل على التراجع في النشاط الصناعي الذي يأتي متوافقاً مع الركود الاقتصادي. مما يقترح إمكانية انزلاق الاقتصاد الأمريكي إلى مستوى متباطئ من النمو خلال الربع الرابع من هذا العام. من ناحية أخرى أظهر المؤشر العام للأسعار ارتفاعا مقبولاً وبمعدل 1.8 في المائة خلال الربع الثالث من هذا العام، الأمر الذي شجع الاحتياطي على الإقدام على خطوة خفض سعر الفائدة.
وأخيراً أظهرت بيانات إدارة العمل الأمريكية ارتفاع عدد الوظائف غير الزراعية بشكل كبير وغير متوقع بلغ 166 ألف وظيفة ولتؤدي إلى وضع معدل البطالة عند مستوى مستقر بلغ 4.7 في المائة. وكانت التوقعات قد أشارت إلى بلوغ عدد الوظائف مستوى 80 ألف وظيفة، مما يعني أن هذه الزيادة جاءت في وقت كانت فيه كل البيانات الاقتصادية الأخرى تبعث على التشاؤم.
الأسواق المالية
خلال هذا الأسبوع سار كل من مؤشر داو جونز ونازداك في مسار متواز وبتذبذب شديد لم يعتد عليه المؤشران، حيث تراوح الارتفاع بين 0.5 في المائة لكليهما في بداية الأسبوع وانخفاض بلغ 2.2 لـ "نازداك" يوم الخميس و2.6 في المائة "داو جونز" على أثر بيانات "سيتي بنك" التي أشرت إليها أعلاه. وأغلق الداو جونز على 13595.10 بارتفاع قدره 27.23 نقطة كما أغلق "نازداك" أيضاً على ارتفاع قدره 15.55 نقطة عند مستوى 2810.38 نقطة. مؤشر "نيكاي" استمر في الارتفاع خلال هذا الأسبوع بمعدل راوح بين 0.3 في المائة وبلغ في أقصاه 1.2 في المائة لكن ذلك الارتفاع انتهى بانخفاض حاد يوم الجمعة مقداره 352 نقطة عند مستوى 16517.48 نقطة. وفي أوروبا أظهر مؤشر داو جونز الأوروبي ارتفاعا مستمراً حتى بلغ مستوى 4489.79 نقطة ثم عاود الانخفاض الحاد بعد ذلك ليغلق عند مستوى 4410.08 نقطة. وفي مجال النفط بلغ النفط هذا الأسبوع مستوى قياسيا عند 96 دولاراً للبرميل ولكن مستويات إقفاله بلغت أقصاها في يوم الأربعاء الماضي بـ 94.53 دولار للبرميل الواحد. أما فيما يتعلق بالعملات فقد استمر الدولار في التراجع أمام اليورو حيث سجل هذا الأسبوع مستويات جديدة بلغت أقصاها يوم الأربعاء عند مستوى 1.4486 دولار لليورو الواحد. بينما تراجع الين أمام الدولار خصوصاً يوم الأربعاء الماضي الذي أعلن فيه خبر خفض سعر الفائدة الأمريكية حيث بلغ الين مستوى 115.35 لكل دولار.